نصر أكتوبر وآل مبارك
حرب أكتوبر المجيدة هي ملحمة صنعها المصريون جميعا جيشا وشعب، سيظل انتصار أكتوبر قصة تروى إلى نهاية الدهر لأبطال ضحوا بأرواحهم في سبيل حماية وطنهم، فالمجد للشهداء ولشعب لا يعرف الانكسار ولا الاستسلام.
قبل ثورة 25 يناير عشنا طوال حكم مبارك، الذى اختزل النصر في الضربة الجوية لأنه كان قائد القوات الجوية في الحرب، فتم تصميم السيناريو ليتناسب معه واختزل الانتصار في شخص صاحب الضربة الجوية التي صنعت النصر، وتم إنشاد الأغاني لتتغنى بصاحب الانتصار.
وتناسوا أن صورة بانوراما أكتوبر الحقيقية كان الفريق سعد الدين الشاذلي مكانه، ولكن أيادي العبث تزور في التاريخ كما سمم حياة المصريين وقهرهم ظلما وعدوانا.
ساعد مبارك في مبتغاه أقلام ملوثة، تناست أن هناك جنود وضباط وقادة، سطروا ملاحم من البطولة والفداء وإنكار الذات، وقدموا أرواحهم ودمائهم للوطن حماية لترابة.
وبرغم أن السادات نفسه اختزل أكتوبر في عهده في أنه قائد العبور، وعندما أبرم معاهدة كامب ديفيد منفردا أصبح هو قائد العبور والسلام.
وصار مبارك على دربه فتناسى سلفه وصنع أسطورته وتعمد طمس دور الجميع من القادة، ففعل ذلك مع قادة المعركة فهل يرأف بالضباط والجنود الأبطال، فقد سجن الفريق سعد الدين الشاذلي وهو من كان قائده، ومواقف سيئة مع المشير الجمسي والمشير أبو غزالة الذى كان في استطاعته وقت أحداث الأمن المركزي أن يطيح به، فقد تناسى عن عمد كل القادة وكل التضحيات التي قدموها للوطن وحمايته بنرجسيته وغروره والشياطين من حوله.
فقد كون له حاشيته الجديدة ممن يضمن معهم الولاء بغض النظر عن الكفاءة، فالولاء من يتيح له المكوث على عرش المحروسة وفقط.
فاحتفل بأكتوبر وسط غناء بصاحب الضربة الجوية وتناسى عبد العاطى صائد الدبابات، والبطل إبراهيم الرفاعي والفريق عبدالمنعم رياض والفريق محمد فوزى ممن أعادوا بناء الجيش بعد الهزيمة، وغيرهم كثيرون فطابور البطولات والأبطال لا ينتهى ولا ينضب، وكل الجنود المجهولة والشهداء والمصابين الذى أكملوا حياتهم وسط العجز والمعاش الضئيل لم يرأف بأحد حتى الدول العربية الشقيقة، التي شاركت وساندت لم يقدم لها الشكر وكأنه كان يحارب وحده هو من انتصر وهو من حارب للأسف الشديد.
وعندما تم خلع مبارك في ثورة شعبية، خرج المرحوم هيكل وقال إن الضربة الجوية لم تزد عن توجيه النيران لهدفين في قلب سيناء واصفا إياها بأنها كانت عملية محدودة.
فجميع الأسلحة شاركت بالحرب فلا أحد يغفل دور قوات الدفاع الجوي ولا سلاح المهندسين والمشاة والمدفعية، بل كل الأسلحة بالقوات المسلحة وكل الأفراد قدموا الكثير من التضحيات وقصص البطولة، ورغم ذلك تم اختزال النصر في شخص الرئيس.
ورغم ذلك في عام 2012 عندما زرت متحف أكتوبر بالسويس مع أولادي ولم أجد صورة مبارك وسط قادة الحرب، ولا في ركن رؤساء مصر، غضبت بشدة وتناقشت مع الضابط المسئول عن هذا، صحيح تم خلع مبارك بثورة ولكن لا يجب أن نطمس التاريخ أنه كان أحد قادة أكتوبر، وكان رئيسا لمصر لمدة 30 عاما، فالتاريخ لا يتجزأ ولا يجب أن يزيف برغم سوء إدارته للبلاد، وحالة التردي للوطن طوال فترة حكمة، وعدم تقديره لمحاربي أكتوبر من قادة وضباط وجنود، وكأن القدر يريد أن يشرب من نفس الكأس التي سقاها لكل مظلوم لكل من خسف بدورهم وطمس تاريخ بطولاتهم، الآن يأتي عليه الدور لينسى ويطمس ويصبح من النسيان.
في 2016 تقابلت مع الأب الروحي اللواء عكاشة ومع 3 من الشباب كانوا نواة مجموعة 73 مؤرخين وعرض فكرته عن أنه يريد أن يحصل على شهادات من كل فرد مازال على قيد الحياة ليحكي عن قصته مع حرب أكتوبر، ويدون تاريخ الأبطال ولكل من شارك في حروب مصر في العصر الحديث، واليوم الموقع به مئات من قصص البطولة التي يجب أن تروى لأولادنا وللأجيال القادمة أن أكتوبر صناعة مصرية وبأيدي أبطال عظام وليس رئيس ولا حاكم يفصل نصر وطن لنفسه.
اليوم للأسف ظهر السيد جمال مبارك عند النصب التذكاري للجندي المجهول وأمام قبر السادات، وفى مشهد أكثر إثارة ظهر أيضا أمام قبر والده المخلوع ووسط حاشيته ومريده، مستغلا احتفال الشرفاء بنصر جيشهم ليقول إنه هنا ومازال يمارس ما كان يفعله أيام والده، وتناسى أنه سبب كل البلايا والتردي الذى حدث في مصر هو وعصابته ممن نهبوا وسرقوا وخربوا في وطن يئن من كل الضغوط حتى انفجر بركان غضبهم في ثورة شعبية أطاحت به وبشلته، ووعدا لكم لن تعود ولن نسمح لكم فقد انتهى آل مبارك إلى غير رجعة.
صحيح أننا أخطأنا ولم نحاكمهم بمحاكم ثورية، وتم محاكمتهم أمام القاضي الطبيعي، وتناسينا أنهم كانوا يقننون أوضاعهم ويفصلون قوانين حسب رغباتهم ليطمسوا أفعالهم الخبيثة.