أمننا القومي العربي كل لا يتجزأ والأخطار واحدة.. كلمة السيسي أمام القمة العربية بالجزائر
قال الرئيس عبدالفتاح السيسي، إن عالمنا العربي ما زال بحاجة لمزيد من العمل العربي الجماعي حتى في التعامل مع الأزمات الجديدة التي جاءت لاحقة على القضية الفلسطينية، وفي ليبيا، سوريا، اليمن، العراق والسودان، وإلا سيظل أمن وسِلم الشعوب الشقيقة في تلك الدول، مُهددين بتجدد ويلات تلك الأزمات، وستظل الأخيرة ثغرات في المنظومة العربية ومراكز لعدم الاستقرار.
الأمن القومي العربي
وتضمنت كلمة الرئيس السيسي أمام القمة العربية بالجزائر: تاريخ أمتنا العربية، وما شهدته دولنا من أحداث في الماضي القريب.. يثبت لنا جميعا، وبما لا يدع مجالا للشك، أن ما قد يؤلم أشقاءنا بالمغرب العربي سيمتد إلى مصر والمشرق العربي ودول الخليج، وأن عدم الاستقرار في دول المشرق أو فلسطين؛ إنما تمتد آثاره إلى المغرب العربي، وأن تهديد أمن الخليج هو تهديد لنا جميعا.. إن أمننا القومي العربي هو كل لا يتجزأ، فأينما نولي أنظارنا نجد أن الأخطار التي تداهم دولنا واحدة، وترتبط في مجملها بتهديد مفهوم الدولة الوطنية، وتدخل قوى إقليمية أجنبية في شئون المنطقة من خلال تغذية النزاعات، وصولًا إلى الاعتداء العسكري المباشر على بعض الدول العربية، وكلها عوامل أفضت إلى طول أمد الأزمات دون حل، في زمن تشتد فيه التحديات الاقتصادية والتنموية والبيئية عالميًا وإقليميًا، ويزيد فيه الاستقطاب الدولي الذي أصبح عنصرا ضاغطًا سياسيًا واقتصاديًا على نحو بات يؤثر علينا جميعا.
وأوضح الرئيس السيسي في كلمته: لقد أثارت هذه التحديات؛ العديد من الشواغل المشروعة لدى الشارع العربي، والذي بات يتساءل عن الأسباب التي تعيق تحقيق التكامل بين دول الإقليم العربي في مختلف المجالات.. الأسباب التي تحول دون أن تلحق أمتنا، ذات الموارد والإمكانات الهائلة، بركب الأمم الأكثر تقدمًا، بل صار يتساءل عن غياب التصور والإجراءات المطلوب اتخاذها لوقف نزيف الدم العربي، وردع تدخلات القوى الخارجية، والحد من إهدار ثروات المنطقة في غير مقاصدها الصحيحة، وبلورة تسويات نهائية للصراعات التي لن تحل بمعادلة صفرية يُقصى فيها طرف أو يُجار على حقوقه.
وتابع الرئيس: من واقع الترابط الفعلي الذي يجعلنا جميعًا أعضاءً لجسد واحد، ومن واقع حجم التحديات والضغوط الراهنة الذي يفوق قُدرة أي دولة على التصدي لها منفردة، فإنه يتعين علينا تبني مقاربة مشتركة وشاملة تهدف إلى تعزيز قدرتنا الجماعية على مواجهة مختلف الأزمات، استنادًا على أسس واضحة تقوم على تكريس مفهوم الوطن العربي الجامع من ناحية، والدولة الوطنية ودعم دور مؤسساتها الدستورية من ناحية أخرى، بما يُسهم في حفظ السلم الاجتماعي، وترسيخ ركائز الحكم الرشيد والمواطنة، حقوق الإنسان، نبذ الطائفية والتعصب، القضاء على التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، وقطع الطريق أمام أية محاولات لدعمهم أو منحهم غطاءً سياسيًا أو توظيفهم من قبل بعض القوى سواء الإقليمية أو الدولية لإنشاء مناطق نفوذ لها في العالم العربي.
واستكمل الرئيس كلمته: إن ضمان قوة وحدة الصف العربي، هي خطوة أساسية على صعيد تأسيس علاقات جوار إقليمي مستقيمة تستند إلى مبادئ غير قابلة للمساومة وملزمة للجميع، وهي احترام استقلال وسيادة وعروبة دولنا، وتحقيق المنفعة المتبادلة، وحسن الجوار والامتناع الكامل عن التدخل في الشئون العربية.
أزمات المنطقة العربية
وأردف: تظل مصر طامحة وراغبة في تحقيق شراكة فعلية فيما بين دولنا على أرضية ما يجمعنا من تاريخ مشترك، والتطلع نحو مستقبل أكثر ازدهارا يتشكل من خلال اضطلاع كل دولة بمسئولياتها على النطاق الوطني، في سياق أوسع من العمل الجماعي على تعزيز قُدراتنا العربية سياسيا واقتصاديا وأمنيا، فتكامل القدرات المتباينة إنما ينشئ منظومة صلبة؛ قادرة على مواجهة التحديات المشتركة، والأزمات الدولية المستجدة بما في ذلك أزمتي الطاقة والغذاء، بل إنها ستوفر الحماية الرئيسية لنا جميعا من الاستقطاب الدولي الآخذ في التصاعد في الفترة الأخيرة.. هذا الاستقطاب الذي باتت له تبعات سلبية على التناول الدولي لأزمات منطقتنا العربية، وأعاد للأذهان مظاهر حقبة تاريخية عانى فيها العالم بأسره.
ونوه الرئيس السيسي في كلمته: أصحاب الجلالة والفخامة والسمو.. إن المضي قدمًا على طريق اللحاق بركب التقدم والتنمية؛ يتطلب العمل الجاد على تسوية مختلف أزمات عالمنا العربي، وعلى رأسها دوما وأبدًا.. القضية الفلسطينية، وأود هنا الإشارة إلى أن قُدرتنا على العمل الجماعي لتسوية القضية، واسترجاع الحقوق الفلسطينية، كانت تاريخيًا وستظل المعيار الحقيقي لمدى تماسكنا، كما تظل المبادرة العربية للسلام تجسيدًا لهذا التماسك، ولرؤيتنا المشتركة إزاء الحل العادل والشامل على أساس حل الدولتين، ومبدأ الأرض مقابل السلام، وبما يكفل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية تُعيد للفلسطينيين وطنهم، وتسمح بعودة اللاجئين بما يتسق مع مبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية.
الحضور الكرام.. ما زلنا نحتاج لمزيد من العمل العربي الجماعي حتى في التعامل مع الأزمات الجديدة التي جاءت لاحقة على القضية الفلسطينية، وفي ليبيا، سوريا، اليمن، العراق والسودان، وإلا سيظل أمن وسلم الشعوب الشقيقة في تلك الدول مُهددين، بتجدد ويلات تلك الأزمات، وستظل الأخيرة ثغرات في المنظومة العربية ومراكز لعدم الاستقرار، وهو ما يؤثر علينا جميعًا، ويُعرقل جهودنا في التنمية والتكامل، ولعله من الملائم أن أشارككم هنا رغبتنا في دعمكم لمساعينا الحالية في ليبيا الشقيقة، للتوصل في أسرع وقت إلى تسوية سياسية بقيادة وملكية ليبية خالصة دون إملاءات خارجية، وصولًا إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن، واحترام مؤسسات الدولة وصلاحياتها بمقتضى الاتفاقات المبرمة، وتنفيذ خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب في مدى زمني محدد، وإعادة توحيد مؤسسات الدولة الليبية وحل الميليشيات، بما يحول دون تجدد المواجهات العسكرية ويعيد للبلاد وحدتها وسيادتها واستقرارها.
وقال: في نفس سياق وحدة الأمن القومي العربي؛ أود أن أوجه عنايتكم إلى معضلة الأمن المائي التي تؤثر على عدد من الدول العربية، وتنذر بعواقب وخيمة إذا تم تجاهلها، وفي هذا السياق نجدد تأكيد أهمية الاستمرار في حث إثيوبيا على التحلي بالإرادة السياسية وحسن النوايا اللازمين، للتوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن سد النهضة الإثيوبي تنفيذًا للبيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن في سبتمبر 2021، والأخذ بأي من الحلول الكثيرة التي طُرحت عبر العديد من جولات المفاوضات، والتي تُؤمن مصالح الشعب الإثيوبي الاقتصادية الآن ومستقبلًا، وتصون في الوقت ذاته حياة الشعبين المصري والسوداني.
وتابع الرئيس: لا ينفصل تحدي الأمن المائي عن تحديات أخرى تواجهها المنطقة، وفي مقدمتها تغير المناخ الذي أصبح واقعًا مفروضًا على العالم.. وانتهز هذه المناسبة للإعراب عن تطلعي لاستقبالكم في مصر يومي 7 و8 نوفمبر 2022 بقمة شرم الشيخ لتنفيذ تعهدات المناخ لتحويل هذا التحدي إلى فُرصة حقيقية للتنمية، والانتقال إلى أنماط اقتصادية أكثر استدامة لصالحنا جميعا.
واختتم الرئيس السيسي كلمته: الأشقاء الأعزاء.. إن تسوية الأزمات العربية، والتعاطي مع التحديات الدولية، ينطلق أساسًا من إيماننا بوحدة أهدافنا ومصيرنا، وتفعيلًا لتعاوننا وإمكاناتنا وأدواتنا في مسائل الأمن الجماعي، وذلك بالتوازي مع جُهودنا في التكامل على المسارات الأخرى، لننظر حولنا.. لقد سبقتنا تكتلات أخرى نحو التكامل، رغم أن من أطرافها من عانوا من تناحر حقيقي بل وحروب فيما بينهم.. فما بالكم بنا ونحن لدينا من المشتركات في الثقافة والأديان والتاريخ والوجهة السياسية ما يُحتم علينا؛ توحيد رؤانا وتجاوز اختلافات وجهات النظر.