الفن والمجتمع
الفن هو مرآة المجتمع، هو الروح التي تعبر عن هويته، وثقافته، وحضارته، فالفنان جزء من هذا المجتمع، ولا يعيش بمنعزل عنه، لذلك الفنان يعبر عن مكنون شعوره ويبدع في إيصال نبض مجتمعه ويحمل قضاياه على عاتقه؛ ليعبر عنها في عمله الفني سواء كان هذا العمل أدائي أو بصري أو أدبي أو تطبيقي أو غيرها من الفنون بأنواعها كافة.
فالفن له أهمية كبيرة، ولا حضارة دون فن، فقد ترك لنا أجدادنا أرثًا عظيمًا عن طريق الفن، عندما شيدوا المعابد والتماثيل والنقوش، وكتبوا بلغتهم القديمة على جدران معابدهم أو في بردياتهم كل تفاصيل حياتهم وإنجازاتهم، كل ذلك كان عن طريق الفن.
ونشأت حضارات كثيرة كاليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية وغيرها، وكان الفن هو وسيلتهم فى بقاء تلك الحضارة عامرة تجسد مجتمعاتهم.
يقول كاتبنا الكبير توفيق الحكيم: إن الفن الراقي هو الذي يخدم المجتمع دون أن يفقد قيمته الفنية العليا.
وكذلك يرى الفيلسوف هيجل: أن علم الجمال هو فلسفة الفن الجميل. لذا نشأ علم الاجتماع الجمالي؛ ليقيم الدراسات والأبحاث حول دور الفن في المجتمع، كذلك حركة النقد لتقييم العمل الفني بكل أشكاله، وتوضيح الرؤى والرسائل، وما يحمله العمل في باطنه سواء كان شعرا أو أدبا أو رسما أو كاريكاتير..... إلخ
كما يرى الأديب تولستوى مفهوم الفن «إبداع إنساني يسمح بنقل خبرات الآخرين عن طريق العواطف ومخاطبة الوجدان الإنساني بأدوات تعكس الفكر السائد ووسائل تناسب روح العصر».
ومن هنا نطالب الدولة أن تعي أهمية الفن ودوره العظيم في رقي الشعوب وتطورها، وعليها أن تجعل حصة التربية الفنية والأنشطة في المدارس مادة أساسية فالجميع يتعامل معها على أنها مضيعة لوقت التلاميذ، مع أنها تساعد في تنمية خيالهم وإبداعهم لو تم تنميتها.
وأسعدني انطلاق مبادرة المبدع الصغير تحت رعاية السيدة حرم رئيس الجمهورية في اكتشاف المواهب لدى النشء الصغير ورعايتها ودعمها حتى يكون لدينا مبدعون في كافة النواحي من أدب وشعر وموسيقى وغناء ونحت ورسم وكاريكاتير وأنواع الفنون كافة.
كذلك عودة مسرح الجامعة والمسرح المدرسي وزيادة معارض الكتاب في كل المحافظات والمدن والجامعات، فلا بد من تنمية القدرات الإبداعية لدى أولادنا لخلق جيل قادر على التخيل والحلم والإبداع والتطوير والاندماج في بيئتهم للتعبير عن حاضرهم ومستقبلهم بكل أشكال الفنون.
كذلك الحفاظ على ريادة مصر الثقافية فنحن عاصمة الثقافة العربية ولنا الريادة، فنحن بلد الحضارة والتاريخ والمستقبل بكل ما نحمله من إرث عظيم.
لا شك أن هناك غياب وعي بأهمية الفن لدى المواطن المصري، ولا يدرك الأنشطة المختلفة التي تقوم بها الدولة من خلال المسرح والمهرجانات الفنية المختلفة لعدم التسويق لها دعائيا بشكل كافٍ أو الاكتفاء بالدعاية على وسائل التواصل الاجتماعي بغض النظر هناك قصور كبير لديهم.
الفن لدية القدرة على التغير والتأثير في قضايا المجتمع لما يحمله من رسالة، ويلهب الحماسة ويعزز الوطنية والافتخار، وينمي الوعي لدى المواطنين سواء كان عن طريق أفلام أو مسلسلات وطنية أو من خلال الموسيقى والغناء وهناك شواهد كثيرة على ذلك.
والفن هو لغة تعارف وتخاطب بين الشعوب من خلال المهرجانات الفنية المختلفة التي يتبارى كل فنان فى التعبير عن هويته وحضارته، فقد شاهدت عروض مهرجان الطبول، وتعرفت على ثقافة كل بلد من خلال عروضها ومنذ أيام قليلة كان مهرجان الموسيقى العربية ومهرجانات مختلفة كثيرة فى كل الفنون، تدعم أواصر المحبة والتعارف بين الشعوب ولكن للأسف لا تجذب جمهورًا كبيرًا من المواطنين، إما لعدم المعرفة أو لعدم تنمية وعيهم بأهمية الفن في المجتمع.
الفن يؤدي إلى الارتقاء بالذوق العام، وتهذيب النفوس وإصلاحها، وتحسين الأخلاق، وتدعيم القيم والمبادئ، وتحسن الحالة المزاجية للمتلقي نفسيا وجسديا، وتوجيه المواطنين إلى الترابط والمحبة، وتشكيل وعيهم والارتباط بقضايا مجتمعهم.
يسهم في جعل المتلقي يقرأ ويضطلع ويثقف ذاته، ويحسن لغته، وينمي مهارات الابتكار والإبداع لديه، ويرتقي أسلوبه، ويزيد أواصر انتمائه لوطنه، مما يجعله شريكا فعالا ومساهما فيها متطوعا لإيجاد حلول لها.
لازدهار الفن لا بد من توافر أرض خصبة تساعده على حرية الإبداع، وتناول قضايا المجتمع والتطرق لها والتعبير عنها، فهو يخلق جسرا من التواصل ويلهب الحماسة ويشعل العواطف ويدعو المواطنين إلى الإيجابية والوعي والإبداع والتفاعل؛ ولكن إن كان الفن راقيا.
وعلى الدولة التصدي لكل أنواع الفن الهابط الذي يؤدي إلى ضياع الهوية وغياب القيم والأخلاق والخروج عن المألوف، وما أحوجنا الآن إلى ثورة ضد كل فن هابط ومسيء، إنه خطر حقيقي تفشى لينخر في جسد المجتمع، لذا علينا حماية شعبنا في ظل الثورة التكنولوجية والرقمية وعالم الأقمار الصناعية، ألا يفقد المواطن هويته وتقاليد مجتمعه، فأفيقوا قبل فوات الأوان حماية للمستقبل وللحاضر.
حفظ الله الوطن وتحيا مصر