محمد علي يكتب: صراع الحياة والموت
في كتابه الأشهر الكاتب الآخر، يقول الأديب الأروغواياني كارلوس ليسكانو: إن الكتابة تولد من رحم الصراع مع الحياة والموت، وتتموضع في الحد بين الضرورة والحرية.
هكذا يؤكد محمد أبو الغيط الأمر؛ فيقدم في كتابه الأخير: أنا قادم أيها الضوء، شهادة فريدة عن صراعه مع الحياة والموت، طارحًا مفاهيما مهمة عن الأمل والحرية والأسرة والحب.
محمد أبو الغيط المولود في أسيوط، تلك البقعة التي شهدت أول صرخة لفتى الصحافة الاستقصائية في الثالث والعشرين من أكتوبر عام 1988 حتى تخرج في كلية الطب، متأثرًا بظروفها وأحوالها، ليشكل واقعها أثره في روحه، قبل أن يرحل إلى القاهرة ويعمل بأحد مستشفياتها، ومنها إلى الصحافة ودوائرها، يقول أبو الغيط: أسيوط بعيدة جدًا.. لا تصلها الكتب ولا تنعقد بها الندوات ولا يراها المثقفون أو السياسيون، كان ذلك في عصر ما قبل الإنترنت وطفرة دور النشر والتوزيع، وكأنه كان يعلم منذ نشأته أن أسيوط لا تتصل بالعالم الخارجي إلا من خلال السكة الحديد، فقرر ارتيادها والذهاب إلى القاهرة، ليكون قادرا على المراقبة والتأمل وممارسة الشغف، وحتى لا يفقد الملامح والحضور والصوت.
اليوم نجد جزءا من سحره الدائم في تلك الكتابات الملهمة، وكأنه أراد أن يكرر حكاية لورانس العرب بطريقة أو بأخرى، ذلك الشاب البريطاني المتواضع، الذي زُج به في خضم الأحداث والتحولات، فوجد نفسه نصيرا للمظلومين، في حكاية غيرت مجرى التأريخ.
يقول الكاتب الصحفي حسام السكري في صالونه الشهير على مواقع التواصل الاجتماعي: سبعة أسباب لمحبة أبو الغيط، لكن ما يسعنا قوله الآن أن الأسباب تتوارى في محبة الرجل، فثمة إشارات تدل على أن محبته هبة سماوية، قبس من نور الله، وهدية من السماء للأرض؛ الأمر الذي جعله قادرا على الاعتراف بنعم الأشياء الصغيرة، بالتفاصيل التي لا نلتفت إليها، فقد كان باحثا أرقًا، لم يكتف بكونه موجودا، فوضع حياة خالدة في كتاباته ومواقفه، ومحبة خالصة تسمح برؤية الذات من زوايا أخرى.
لهذا كله، كان من الصعب التفرقة بين ما يعيشه أبو الغيط وبين ما يكتبه، أو التفرقة بينه وبين محبيه، فعلى الجانب الآخر من البحر، كان بالإمكان سماع الدعوات بالشفاء، سماع حكايات المحبة التي تنبعث من مكبرات صوت في قلوب الأصدقاء والمتابعين، كان يحدِّق عاليا إلى ظلة الأشجار بابتسامة رائقة وحالمة ليقول: الحياة تستحق التضحية، والتضحية كانت في اكتشاف الذات والاستقصاء، هكذا رحل محمد أبو الغيط، بعد رحلة مرهقة مع المرض، دون أن ينسى أبدا حقيقته التي خلدها في كتابه الأخير، تاركًا إرثا لا يمكن تجاوزه.