الطلاق في مصر قضية أمن قومي.. والتوعية - التأهيل - التوثيق مثلث الحل
حالة طلاق كل 120 ثانية وفقًا لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، حيث تقع 28 حالة طلاق كل ساعة، وأكتر من 20 ألف حالة في الشهر، ووفقًا للأرقام المعلنة فإن نسبة 12% من حالات الطلاق وقعت في السنة الأولى من الزواج، بينما وقعت نسبة 9% منها في السنة الثانية، ووقعت نسبة 6.5% منها خلال السنة الثالثة.
لك أن تتخيل عزيزي القاريء بعد ما يتكبده كل طرف من ضغوط مادية، ونفسية واجتماعية لإنشاء بيت وأسرة، ثم ينتهي الأمر سريعا بالطلاق، أياَ كانت الأسباب التي دفعت للطلاق لأنها ليست محل النقاش الآن، لكن باتت منظومة الزواج في مصر تعاني خللًا كبيرًا وملموسًا، ناهيك عن كل الكوارث الاجتماعية التي تترتب على الطلاق والتأثيرات السلبية التي يدفع الأبناء منها الجزء الأكبر.
الحقيقة أن هذه الآثار التي باتت واضحة في البنية الاجتماعية للشعب المصري، وضعت الطلاق كقضية أمن قومي من شأن تداركها الحفاظ على تماسك المجتمع وإنتاجية الفرد ومدى جاهزيته النفسية والاجتماعية لبناء الدولة.
ومن هنا أطرح 3 محاور رئيسية تمثل مثلث الحل لهذا الملف وهي التأهيل.. التوعية.. التوثيق.
تقدم الدولة بالفعل عددا من المبادرات الخاصة بتأهيل المقبلين على الزواج، فنعم لتشجيع وتعزيز هذا النوع من البرامج تحت إشراف وقيادة منابر ذات ثقل ديني، بالإضافة إلى وزارة التضامن الإجتماعي، والتأهيل هنا يجب أن تصاحبه التوعية المستنيرة التي تعمل على تعزيز قيم الزواج الناجح، فيتم توظيف الإعلام، الدراما، وحتى المناهج التعليمية في مختلف المراحل العمرية لدعم التأهيل النفسي والمجتمعي لمنظومة الزواج بدءًا من اختيار شريك الحياة المناسب وحتى قواعد التربية السليمة والتعامل السليم داخل الأسرة، وكذلك التأهيل والتوعيه للطلاق والمراحل التي تليه لكافة أفراد الأسرة، بل والعمل على التقبل المجتمعي لقضية الطلاق، ففي أحيان كثيرة يكون الطلاق هو السبيل الوحيد للحفاظ على الاحترام بين الطرفين مما يسمح لهم بتربية الأطفال في بيئة سوية وسليمة بيئة.
لكن ماذا قبل الطلاق.. هل توجد فرصة للإصلاح؟!
بالطبع نعم دائما ما توجد فرصة للإصلاح لأغلب الحالات التي تصل للطلاق، وهنا استوقفتني تجربة فريدة من نوعها أتمنى أن تكون محلا للدراسة والتطبيق من قبل الأجهزة المعنية، هذه التجربة طبقتها سيدة وطنية من الطراز الأول بجهود شخصية حيث تعد التجربة أحد الملفات الهامة التي تعمل عليها مؤسسة عدالة ومساندة المرأة المصرية، ألا وهي الشرطة الأسرية، وفكرة هذه التجربة تعتمد على وجود شرطة متخصصة للأسرة تعمل على استقبال أي بلاغ من أحد أطراف الأسرة الزوج أو الزوجة أو حتى الأولاد، وهذه التجربة تعمل على احترام كرامة الأسرة عند وصول المشكلة لقسم الشرطة، لأنه في أغلب الأحيان يتم تقديم البلاغ لنفس ضابط الشرطة الذي يحقق في ذات الوقت في واقعة مشاجرة أو حادث قتل أو تعاطي المخدرات مما يؤثر على تحمله لأي مشكلة أسرية، وفكرة وجود شرطة متخصصة أسوة بالشرطة المتخصصة المتعلقة بالسياحة والمرافق والنقل والمواصلات وغيرها، والخطوة التالية لعمل الشرطة الأسرية هي حضور الزوجين أمام لجنة مكونة من محامٍ - طبيب نفسي - ممثل عن الداخلية - أخصائي اجتماعي - رجل دين، حيث تعمل هذه اللجنة على الإصلاح بين الزوجين بعد تقديم البلاغ وحل المشاكل التي أدت إلى طلب الطلاق وتتعدد جلسات الصلح وفقًا لمجريات الأمور.
المدهش في الأمر هو تراجع وقوع حالات الطلاق بنسبة 65% للأزواج الذين خضعوا لهذه التجربة داخل المؤسسة، وبالطبع تقوم اللجنة بالمتابعة الدورية لهذه الأسر، وتقدم اللجنة أيضًا استشارات قانونية ودينية في أمور الزواج وتحمي من العنف الواقع على أحد الطرفين أو الأطفال، تجربة فريدة تقدمها الدكتورة بسنت عثمان، الأمين العام لمؤسسة عدالة ومساندة المرأة المصرية، أتمنى أن يتم دراستها وتعميمها في سائر محافظات الجمهورية تبدأ بتخصيص شرطة للأسرة والتي من شأنها التحقيق في البلاغات الخاصة بالأسر المصرية، ومن ثم تخصيص لجنة مشورة تعمل على حل المشاكل الخاصة بالطلاق من أجل الإصلاح ولم شمل الأسرة، وفي حالة وقوع الطلاق يتم توثيقه وضمان حقوق المرأة والرجل والأطفال، فحتى لو لم نستطع الحفاظ على الأسرة مجتمعة، يمكننا الحفاظ عليها سوية حيث كل طرف يحترم حقوق الطرف الآخر.