الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

ذكرى التنحي

السبت 11/فبراير/2023 - 03:16 م

كانت ميادين مصر تعج بالملايين من الشعب المصري، كنت في ميدان التحرير، نترقب لحظة الخلاص، وفي هذا اليوم قررنا الزحف إلى الاتحادية، يجب أن يرحل مبارك.


مبارك الذي أخطأ في مواجهة الانتقادات طوال فترة حكمه، وترك قبضته الأمنية تواجه احتجاجات وتطلعات الشباب، وأهان القوى السياسية عندما قال: خليهم يتسلوا، مبارك انتهى وقته، وكلما مرّ الوقت كلما ازداد التصعيد وازدحمت الميادين، وبعد ثمانية عشر يومًا من المظاهرات المليونية، والاعتصامات، على أمل بزوغ فجر جديد، حتى خرج علينا عمر سليمان بخطاب تنحي مبارك، ساد الصمت في بداية ظهوره، وكأن الميدان ليس به مخلوق، ونحن في لحظة ترقب، حتى قال: أيها المواطنون في ظل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد، قرر الرئيس محمد حسني مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية، وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد، والله الموفق والمستعان.
هنا ضجّ الميدان بالهتاف في لحظات لن تُنسى من ذاكرة المصريين، ومن هتفوا في الميادين عيش، حرية، كرامة إنسانية، ووسط دموع الفرح والابتهاج غير مصدقين أخيرًا رحل مبارك، لقد نجحت ثورتهم، ولم تذهب دماء شهدائهم عبثًا، اليوم مبارك خارج السلطة، بعد ثلاثين عامًا من القهر والفقر والمرض، وتزوير الانتخابات، ومحاولة توريث السلطة لابنه، وترهل الدولة على يديه، لقد رحل مبارك.
لم تكن تشغلنا كواليس الرحيل، وما دار في الغرف المغلقة، كل ما كان يدور في العقول أن يرحل رأس السلطة، ولم يتم تدارك ما بعد الرحيل.
في صباح ثاني يوم للرحيل كنت ما زلت في ميدان التحرير، عندما قامت مجموعة من الشباب بتنظيفه، وانضم إليهم الكثير، لنتركه نظيفًا كما كان، ولم نعلم أننا سنعود إليه مرة أخرى بتلك السرعة.
لكن يحسب لمبارك وبكل أمانه محاولته أن يكون انتقال السلطة دستوريًّا وقانونيًّا، وأنه لم يترك البلاد ويهرب مثل الرئيس التونسي.
كنت أعتبر خطاب مبارك الأخير والذي استعطف فيه قلوب المصريين، فخرج منهم يؤيد بقاءه لآخر مدته، وتمسك الكثيرون بضرورة رحيله، كنت أعتبر هذا النداء الأخير من مبارك روشتة نجاة في الفترة القادمة بعد تعهده بعدم تمسكه بالسلطة، وتفويض صلاحياته إلى عمر سليمان نائبًا له، أو أحمد شفيق رئيسًا للحكومة، وأنه سيموت على أرض الوطن، وسيحاسب المخطئ والمتسبب في قتل شهدائنا من الشباب، وأمام إصرار الشباب على ضرورة الرحيل ورفض الخطاب، خضع واستجاب لصوت الهدير من الشباب، وانصاع لصوت العقل حفاظًا على وحده الأمة.
لذا فتنحي مبارك يُحسب له؛ فلم تدخل البلاد في دائرة من الصراع، وتمسك الجيش بانحيازه للشعب يدل على وطنية الجيش المصري، وأن الجيش جيش الشعب وليس الحاكم، ولم ننزلق في فخ سوريا أو ليبيا واليمن، وهتف المصريون الشعب والجيش إيد واحدة.
وأتذكر يوم ذهبت إلى متحف أكتوبر بالسويس 2016، ولم أجد صورة مبارك بين قادة حرب أكتوبر، ورؤساء مصر، وطلبت من المسؤول بالمتحف أن التاريخ يجب أن يحترم فمبارك برغم كل إخفاقاته، كان من قوات الجيش المصري، وقائدًا للقوات الجوية أثناء حرب أكتوبر، ومن بعدها نائبًا لرئيس الجمهورية، وأنه ظلّ رئيسًا لمصر لمدة ثلاثين عامًا فالتاريخ لا يُطوى صفحاته لإخفاق ولا يُكتب فقط لإنجاز.
وقد سردنا ذلك في مقال سابق بعنوان (نهاية دولة يناير سبب إخفاق الثورة المصرية في 2011)، بعد أن طالت الأماني والأحلام للمصريين عنان السماء، وتخيلوا أن بعد تنحي مبارك ستمطر السماء ذهبًا، وتنهض الدولة وترتقي من تلقاء نفسها.
فسوء حال البلاد نتيجة الصراع على السلطة، فهناك جماعة منظمة استطاعت أن تنقض على المشهد، ورجال دولة مبارك بدولته العميقة، وشباب تناحر وانقسم بعد ثمانية عشر يومًا من الاتحاد والقوة، ومجلس عسكري مضطرب يتجاوز القانون لإرضاء المحتجين.
وأنا لا أحمّل ثورة يناير ما وصلت إليه البلاد من حالة تردي ووهن، إن ما حدث بعد التنحي من أحداث لم نكن طرفًا فيه وحدنا نحن الشباب، إنما كل الأحداث مجتمعة وهذا ما وضحناه سابقًا وبالتفصيل، إنما الثورة بريئة، وشبابها الذي تغنى به العالم وقادته وقالوا عنهم إنهم الرائعون، بسلميتهم وصدورهم العارية واجهوا جحافل نظام مبارك، وقدموا شهداء ومصابين وما زال البعض يدفعون فاتورة مشاركته في الثورة حتى الآن، وإننا من صححنا الوضع في 30 يونيو وأعدنا الدولة المصرية للمصريين، وعاد الشعب في كنف درعها وسيفها. 
وستظل 25 يناير بالنسبة لي شخصيًّا الحلم الذي صار واقعًا، وكسرت حاجز الخوف والصمت، وسيظل يوم التنحي ذكرى رائعة لن ننساها، يوم أن هتفنا الشعب أسقط النظام.
حفظ الله مصر وحفظ أبناءها للعمل على رقيها وتقدمها وأمنها وأمانها.

تابع مواقعنا