القصة الكاملة لـ تمثال سيدة العاشر من رمضان.. جهل ثقافي أم تريند؟
جهل ثقافي.. كلمة قاسية وتعبير لا يعرف الهوادة لكنه للأسف خير تبسيط لأزمة الجدل الدائر حول تمثال سيدة العاشر من رمضان؛ بعدما علت موجة من السخرية والاستياء عبر مواقع التواصل الاجتماعي صاحبها خطأ كبير من جانب الغالبية، وكان الدافع فيها اللهث خلف التريند والبحث حول مؤشرات البحث ومحركاته وما تقوله السوشيال ميديا بغض النظر عن الفحص والمحيص، وبين هذا وذاك وقعت الكارثة أو بالأحرى انجلت الحقيقة وبان الأثر وتكشفت ثقافة كل من تعامل مع الأزمة منذ بدايته.
قبل سنوات، وداخل ميدان الجلاء القابع في حي الدقي وسط محافظة القاهرة كان التمثال هناك يزين المكان لسنوات ليست بالقليلة، يُدلل طوال فترة وجوده على جودة ومهارة يد صانعه الفنان النحات الراحل حسن حشمت، قبل أن يتم البدء في أعمال تطوير الميدان واستبدال التمثال بآخر لأحد المشاهير في تاريخ مصر وهو عميد الأدب العربي طه حسين.
ظل التمثال بعيدًا عن أعين العوام حتى ظهر من جديد مع شروق شمس الأحد، في الميدان الموجود في المدخل الثالث لمدينة العاشر من رمضان، ومنذاك الحين انتشرت التعليقات التي تسخف من قيمة التمثال وتقلل من شأنه كما لو كان استمرارًا لمسلسل تلك التماثيل مجهولة الهوية والفن التي نطالعها من وقتٍ لآخر في العديد من الميادين بمختلف محافظات الجمهورية، لكن ما ضمه ميدان مدينة العاشر من رمضان لم يكن أبدًا يستحق ما أثير حوله وما ذهب البعض إليه دون إعمال العقل ولو بضعة ثوانٍ.
مش معقول محدش يعرف قيمة التمثال بالشكل دا.. ذاك التعقيب الصارخ يشير إلى لسان حال أحد كبار الأجهزة التنفيذية وهو يوضح ويستغرب في ذات الوقت الأزمة وصداها، وسط تساؤل كبير من الرجل عما آل إليه حال الكثيرين وتدني مستوى ثقافتهم، في الوقت الذي أصدر فيه جهاز مدينة العاشر من رمضان بيانًا أكد خلاله على أن التمثال قد تم وضعه في الميدان الموجود بالمدخل الثالث لمدينة العاشر من رمضان بموافقة وعلم وزارة الثقافة، وبعد جهدٍ كبير ونفقتها تحملتها إحدى السيدات التي تمثل واحدة من كبرى شركات الأزياء في مدينة العاشر من رمضان.
التمثال الذي رآه الكثيرون مادة مناسبة للاستياء والتعقيب الساخر لم يفكر ولو لبرهة في تكبير الصور المتداولة واستيضاح الصورة أكثر وأكثر؛ إذ يحكي التمثال ويُجسد مشاهد كبيرة وعميقة تحتاج إلى التأمل، لكنها بعد ما أثير من ضجة باتت حاجتها مضاعفة إلى المراجعة قبل البكاء على حال المتندرين.
في قاعدة التمثال يظهر نحت واضح لأسرة مصرية قديمة تعيش على الزراعة؛ رجلًا يحمل فأسه فوق كتفه وإلى جواره زوجته تحمل الطعام فوق رأسها وبإلى جوارها طفليها وهما يلاعبان نعجة تربيها الأسرة، وفي خلفية المشهد جاموسة وسنابل غلال دلالة على أصل مصر الزراعي والخير الوفير، وأعلى النحت الموجود في قاعدة التمثال يقف اثنين من عمال الحرف والصناعة يحملان أدوات صنعتهما وإلى جوارهما تروس مختلفة الأحجام تؤكد على نهضة مصر الصناعية في وقتٍ ما، وفي الربع الثالث من الناحية العلوية نحت الفنان ريشة تخط على ما يشبه الكتاب وكأنه قصد أن مصر دومًا ما تكتب التاريخ، وفي الجانب الثاني كانت تكملة اللوحة الفنية المنحوتة بلوحة قريبة إلى تلك التي تحملع الوان الفن وقت الرسم، وأعلاها هلال يضم صليب لا يحتاج التوضيح أكثر من أنه يرمز إلى وحدة مصر على مر الزمان، وفي قمة التمثال وجه حالم ومتألق لسيدة ربما أراد ناحتها الفنان الراحل أن يرمز بها إلى مصر وما تمثله دومًا من إضافة كبيرة ومعين لا ينضب تاريخه ومستقبله.
يبقى ما حدث دلالة ورمزًا على شيء ربما كان سيئًا في حظ الجيل الحالي، لكنه ربما يؤكد على أن الجهد المبذول نحو الثقافة بحاجة إلى المراجعة والمضاعفة من جانب الجهات المعنية كلها، جنبًا إلى جنب مع نظرة الجيل الحالي وتعامل مع كل ما يُنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي ربما كانت بعيدة كل البُعد هي الأخرى عما تُعرف به.