كيف يقبض ملك الموت أرواح الكثير من البشر في وقت واحد؟.. الإفتاء تكشف
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد إليها من أحد المتابعين نصه: كيف يقبض ملك الموت أرواح الكثير من البشر في وقت واحد رغم اختلاف أماكنهم؟.
وقالت الإفتاء في فتوى سابقة، عبر موقعها الإلكتروني: الموت في اللغة: ضد الحياة، يقال: مَاتَ يَمُوتُ فهو مَيْتٌ ومَيِّتٌ ضد حي، مضيفة: والموت في الاصطلاح: مفارقة الروح للجسد.
كيف يقبض ملك الموت أرواح الكثير من البشر في وقت واحد؟
وتابعت الإفتاء: يقول الإمام أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين: ومعنى مفارقتها للجسد: انقطاع تصرفها عن الجسد بخروج الجسد عن طاعتها.
وواصلت: والمتوفِّي على الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى؛ قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾، يونس: 104، ويقول تعالى: ﴿وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ﴾، النحل: 70، فأسند التوفِّي إليه سبحانه، ثم خلق الله ملك الموت وجعله الملك الموكل بقبض الأرواح؛ يقول الله تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾، السجدة: 11.
وأكملت الإفتاء: وأخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن أبي شيبة، وأبو الشيخ عن مجاهد قال: ما على ظهر الأرض من بيت شعر ولا مدر إلا وملك الموت يطوف به كل يوم مرتين.
وتابعت الإفتاء: وخلق الله أعوانًا لملك الموت؛ يقول تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ﴾، الأنعام: 61، ويقول تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾، محمد: 27، ويقول تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ﴾، الأنعام: 93.
وأوضحت: وأخرج عبد الرزاق، وأحمد في الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ في العظمة، وأبو نعيم في الحلية عن مجاهد قال: جعلت الأرض لملك الموت مثل الطست يتناول من حيث شاء، وجعل له أعوان يتوفون الأنفس ثم يقبضها منهم، مضيفة: وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس: أنه سئل عن ملك الموت: هل هو وحده الذي يقبض الأرواح؟ قال: "هو الذي يلي أمر الأرواح، وله أعوان على ذلك، غير أن ملك الموت هو الرئيس، وكل خطوة منه من المشرق إلى المغرب".
وأضافت الإفتاء: قال الإمام الطبري في تفسيره لقوله تعالى: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا: فإن قال قائل: أو ليس الذي يقبض الأرواح ملك الموت، فكيف قيل: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾، "والرسل" جملة وهو واحد؟ أو ليس قد قال: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ [السجدة: 11]؟ قيل: جائز أن يكون الله تعالى ذكرُه أعان ملك الموت بأعوان من عنده، فيتولون ذلك بأمر ملك الموت، فيكون التوفي مضافًا، وإن كان ذلك من فعل أعوان ملك الموت إلى ملك الموت؛ إذ كان فعلُهم ما فعلوا من ذلك بأمره، كما يضاف قتلُ مَن قتلَ أعوانُ السلطان وجلدُ من جلدوه بأمر السلطان إلى السلطان، وإن لم يكن السلطان باشر ذلك بنفسه، ولا وليه بيده، وقد تأول ذلك كذلك جماعة من أهل التأويل كابن عباس، وقتادة، ومجاهد، والربيع بن أنس".
وأردفت: قال الإمام القرطبي في تفسيره: [قوله تعالى: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ المراد: أعوان ملك الموت، قاله ابن عباس رضي الله عنهما وغيره. ويروى أنهم يَسُلُّون الروح من الجسد حتى إذا كان عند قبضها قبضها ملك الموت. وقال الكلبي: يقبض ملك الموت الروح من الجسد ثم يسلمها إلى ملائكة الرحمة إن كان مؤمنًا أو إلى ملائكة العذاب إن كان كافرًا...، والتوفي تارة يضاف إلى ملك الموت، كما قال: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ، السجدة: 1]، وتارة إلى الملائكة؛ لأنهم يتولون ذلك، كما في هذه الآية وغيرها. وتارة إلى الله وهو المتوفي على الحقيقة؛ كما قال: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾، الزُّمر: 42، ﴿قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾، الجاثية: 26، فكل مأمور من الملائكة فإنما يفعل ما أمر به].
واختتمت: وبناءً عليه: فإن ملك الموت موكَّل بقبض الأرواح، وله أعوان -كما سبق بيانه-؛ فلا يصعب حينئذٍ تصور قبضه لأرواح متعددة في زمن واحد بواسطة أولئك الأعوان من الملائكة، والله سبحانه وتعالى أعلم.