الجنرال الذهبي الفريق عبد المنعم رياض
تحتفل القوات المسلحة كل عام يوم 9 مارس بذكرى يوم الشهيد، وتم اختيار اليوم بعد حرب أكتوبر العظيمة، وهو يوم استشهاد الفريق عبد المنعم رياض في الخطوط الأمامية للمعركة ووسط ضباطه وجنوده.
ولد رياض بقرية سبرباي إحدى قرى محافظة الغربية عام 1919، كان والده قائم مقام، تخرج على يد والده الكثير من ضباط القوات المسلحة.
وكانت بدايته في كُتّاب القرية ككل أبناء القرى المصرية آنذاك، وعندما تخرج من الثانوية العامة دخل كلية الطب، بناءً على رغبة أسرته، وضد رغبته، ودرس بها عامين، ولكنه لم يستطِع أن يستمر بها وتقدم للالتحاق بالكلية الحربية، وتخرج فيها برتبة ملازم ثان عام 1938.
كان رياض متفوقًا وذكيًّا فحصل على درجة الماجستير في العلوم العسكرية، وكان دائمًا الأول على دفعته.
وذهب في بعثات عديدة إلى إنجلترا والاتحاد السوفيتي، وكان يجيد عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية، والألمانية التي تعلمها في وقت قصير جدًّا، والروسية التي كان يجيد التنكيت بها كأنه عاش حياته في الاتحاد السوفيتي وهناك لقبوه بالجنرال الذهبي.
اشترك في الحرب العالمية الثانية كضابط مدفعية، واشترك في حرب فلسطين 1948 التي مُنح فيها وسام الجدارة الذهبي لبراعته العسكرية.
تولى عام 1951 قيادة مدرسة المدفعية المضادة للطائرات، كما شارك في حرب 1956 أثناء العدوان الثلاثي على مصر، واستمر في التقدم والترقي حتى تم اختياره 1961 نائبًا لرئيس شعبة العمليات برئاسة أركان حرب القوات المسلحة ومستشار لشئون الدفاع الجوي لقيادة القوات الجوية، وفي عام 1964 عُيِّن رئيسًا لأركان القيادة العربية الموحدة، وحينما اندلعت حرب 1967 كان قائدًا عامًّا للجبهة الأردنية، وأثناء وجوده بالأردن رصدت الردارات سربًا من الطائرات الإسرائيلية تخترق السماء في اتجاهها إلى مصر، وطلب من القيادة السورية وقتها تحريك طائراتها لضرب الممرات الإسرائيلية ولكن دون جدوى.
وعاد 11 يونيو 1967 رئيسًا للعمليات للقوات المسلحة المصرية، ومعه الفريق محمد فوزي وزيرًا للدفاع، ليبدآ معًا إعادة بناء القوات المسلحة؛ لاستعادة ما فقدنا في هزيمة 1967 القاسية على نفوس العسكريين قبل جموع المصريين.
وتبدأ حرب الاستنزاف سريعًا بعد نكسة يونيو، التي كلفت العدو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، بمعركة رأس العش، كذلك تم تدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات، وقيام المخابرات المصرية بعملية تدمير الحفار الإسرائيلي في قلب المحيط، وقامت قواتنا الخاصة بالكثير من العمليات خلف خطوط العدو، بقيادة مصريين شجعان أبطال لم يهابوا الموت وبذلوا أرواحهم في سبيل كرامة وطنهم، واستعادة أرضهم المسلوبة.
وقد خطط رياض لتدمير خط بارليف ذلك الخط الحصين الذي كانت تتباهى به إسرائيل، وقد حدد يوم 8 مارس لبدء تنفيذ العملية، وقد بدأت نيران المصريين تدك الحصن حتى تكبد العدو خسائر فادحة، وتم تدمير جزء من خط بارليف.
وهنا أدرك الجنرال أنه لا بد من استطلاع الأمر بنفسه، وفاجأ ضباطه وجنوده بزياتهم في المواقع الأمامية للمعركة، واختار أقرب نقطة للعدو، وكانت على بُعد 250 مترًا في الموقع 6، أكثر المواقع تقدمًا وإصابة للعدو، وأدرك العدو أن هناك شخصية مهمة في الموقع، فوجه نيرانه بكثافة على تلك النقطة، واستمرت المعركة يقودها بنفسه حتى انفجرت إحدى طلقات المدفعية بالقرب من الحفرة البرميلية التي يقود منها معركته الأخيرة لتصيبه إحدى شظاياها ويستشهد رياض متأثرًا بإصابته.
وعقب الاستشهاد نعاه الرئيس جمال عبد الناصر، وتمت ترقيته إلى فريق أول، ومنحه وسام نجمة الشرف العسكرية، أعلى وسام في العسكرية المصرية، كما نال كثيرًا من الأوسمة والتقدير أثناء حياته.
وكانت جنازة رياض كبيرة ومهيبة، حيث تقدمها جمال ومعه الآلاف من الشعب المصري في تكاتف على ضرورة الثأر والمساندة للجيش الذي ثأر سريعًا لجنراله الذهبي ودمّر النقطة نفسها التي اندلعت منها النيران، وقضى على كل من فيها من جنود العدو.
وتم اختيار يوم 9 مارس (يوم استشهاد الفريق عبد المنعم رياض) ليكون يوم الشهيد؛ احتفاءً بذكراه وتحية لكل شهيد مصري.
لقد كان الفريق رياض خير قدوة لضباطه وجنوده، وخير مثال يُحتذَى به في العسكرية إخلاصًا وانضباطًا، وعلمًا، فقد انتسب رياض إلى كلية التجارة لدراسة الاقتصاد، وإلى كلية العلوم لدراسة الرياضة البحتة، إيمانًا بدور العلم واستمرار التعلم مهما كانت رتبتك العسكرية، كما أتم دراسته بأكاديمة ناصر العسكرية، والحصول على زمالة كلية الحرب العليا عام 1966.
وفي ذكرى رحيله نحتفي بكل شهدائنا، من قدموا الغالي والنفيس، ولم يبخلوا بأرواحهم ودمائهم فداءً للوطن، فنقف لحظة صمت إجلالًا وتوقيرًا، وتقديرًا لما قدموه للوطن، فكل التحية لأرواحهم الطاهرة وكل الاعتزاز لتراب الوطن الذي روته دماؤهم، ونعاهدهم على أن نكون للوطن درعًا وسيفًا ويدًا تبني ويدًا تحمل السلاح.
ولكل الأجيال الحالية واللاحقة أن تفتخر بجيشها درعها، وسيفها، حامي أمنها الخارجي، وشرطتها حامية أمنها الداخلي، على كل ما يقدمونه في سبيل أمن الوطن ومواطنيه.
وتحية لكل شهداء الوطن والمجد لأرواحهم الطاهرة.
عاشت مصر أبية قوية ناهضة وتحيا تحيا مصر.