ترشيد الإنفاق ووضع سقف للدين العام.. الحكومة تبحث سيناريوهات التعامل مع تحديات الاقتصاد العالمي
نظم مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بـ مجلس الوزراء، ورشة العمل الحادية عشرة في إطار إعداد مشروع بحثي متكامل لصياغة السيناريوهات اللازمة للتعامل مع الوضع الاقتصادي العالمي خلال عامي 2023 و2024، وذلك بعقد جلسة نقاشية موسعة حول اتجاهات السياسة المالية والدين، بحضور 22 من خبراء المالية العامة، والبنك الدولي، والقطاع المصرفي، وأساتذة الجامعات والمراكز البحثية، والنواب، وممثلي الوزارات المعنية، وأصحاب الشركات، وذلك تنفيذًا لتكليفات الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، في هذا الشأن.
الوضع الاقتصادي العالمي
وفي مستهل الجلسة، قدمت الدكتورة هبة عبد المنعم، رئيس محور شؤون المكتب الفني لرئيس المركز، عرض متكامل حول اتجاهات النمو الاقتصادي بالدول المتقدمة والنامية، وتوقعات المؤسسات العالمية لمسارات الركود الناتجة عن رفع أسعار الفائدة وتبعات الأزمة الروسية- الأوكرانية، بجانب أبرز التوقعات المستقبلية للأزمات المرتبطة بارتفاع معدلات التضخم وتعثر سلاسل الإمداد، كما قدمت عرضًا حول تطورات أوضاع المالية العامة في مصر ومستهدفاتها خلال الفترة (2023-2027) وأبرز الجهود الحالية والمستقبلية لتحقيق الانضباط المالي والاستدامة المالية.
وأكدت الدكتورة نجوى سمك، رئيس قسم الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ضرورة العمل على توفير حيز مالي مرن لتمكين الاقتصاد المصري من مواجهة تبعات أي أزمات استثنائية، مشيرة إلى أهمية قطاعات التصدير والإنتاج في خفض أعباء الدين والتضخم وتحقيق نمو حقيقي في الناتج المحلي الإجمالي، مشيرة أيضًا إلى أهمية طرح الصكوك السيادية مؤخرًا كأداة مبتكرة توفر التمويلات المطلوبة، وتقلل الأعباء على الموازنة العامة للدولة، وهو النظام المتبع في العديد من الدول.
فيما أكد الدكتور عبد الفتاح الجبالي، الخبير الاقتصادي، أن السياسة المالية هي عصب الاقتصاد المصري، بما يستوجب وضع سياسات لخفض الدين العام بآليات مختلفة حسب أوضاع الدين المحلي والأجنبي، مشددًا على ضرورة مراعاة شمولية الموازنة العامة للدولة، بما يتيح لصانع القرار مساحة مرنة للتحرك، ويضع رؤية واضحة لخفض الدين وتقييم الإنفاق العام، ومطالبًا بتوسيع القاعدة الضريبية وإصلاح الأوضاع المالية للهيئات الاقتصادية وتعظيم الاستفادة من فوائض أرباح البنوك الحكومية، لتخفيف الأعباء عن الموازنة العامة للدولة.
وذكر الدكتور مصطفى أبو زيد، مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن مراجعة خطط ضم الاقتصاد غير الرسمي تعدُ من أهم الخطوات اللازمة لزيادة نمو الناتج المحلي، بجانب قياس أثر تنفيذ قانون المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومدى تحقيقه للمستهدفات، والعمل على زيادة عوائد الهيئات الاقتصادية، والمضي قدمًا في خطوات الإصلاح الضريبي والإداري، وحل ملف التشابكات المالية بين الوزارات.
وأشار الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، رئيس مجلس إدارة الشركة العربية للسبائك، إلى أن الاقتصاد العالمي يمر بسياقٍ متأزم يشير إلى وقوع تباطؤ عالمي ناتج عن أزمات التضخم واضطراب سلاسل الإمداد بعد الإغلاق الصيني عقب الجائحة، بجانب تأثير سياسات التشديد النقدي الأمريكي مع استمرار الأزمة الروسية -الأوكرانية، مضيفًا أن تلك الأزمات تتطلب استمرار العمل على استقرار المعروض النقدي محليًا، مع مواجهة تذبذب سعر الصرف لتقليل آثار الفاتورة الاستيرادية، واستمرار العمل على زيادة الفائض الأولي وإدارته بشكل فعّال، مع توجيه فوائض الغاز الطبيعي إلى التصدير للاستفادة من ارتفاع الأسعار عالميًا، بما يقلل آثار تكاليف الطاقة على معدلات التضخم، مقترحًا أهمية استخدام الفوائض المالية للهيئات الاقتصادية في تعزيز استثماراتها، وكذلك التوسع في برامج مبادلة الديون.
وعرض طارق متولي، نائب العضو المنتدب لبنك "بلوم مصر"، عددًا من المقترحات بالنسبة لإدارة الدين العام، وزيادة العوائد الدولارية، مشيرًا إلى أهمية التوجه الجديد لوزارة المالية نحو الاعتماد على طروحات الصكوك السيادية كآلية تستهدف توفير التمويلات المطلوبة دون ضغوط على الموازنة العامة للدولة، ومؤكدًا أهمية وضع سقف للدين العام، وإطالة فترات استحقاقاته.
وقال النائب أحمد سمير، عضو اللجنة الاقتصادية والمالية بمجلس الشيوخ، إنه لابد من وضع خريطة مستقبلية لمسارات رفع الفائدة، وتحديد تأثير ذلك على القطاع الصناعي، لما له من دور في استشراف توقعات التضخم، كما طالب بسرعة الإفصاح عن تفاصيل طروحات الشركات العامة بالبورصة المصرية ومخططها الزمني بشكل مُفصل، مشيرًا إلى ضرورة وضع رؤية لمستقبل المجتمع الضريبي بالبلاد لارتباطه المباشر بأوضاع المالية العامة.
ومن جانبه، عرض الدكتور محمد زكي، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مجموعة من المقترحات لخفض الدين العام، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد، لدوره في تخفيف الأعباء عن الموازنة في تمويل الاستثمارات، وتحسين موقف مصر وفق مؤشر مديري المشتريات، والذي يؤثر بدوره على رؤية المؤسسات الدولية للاقتصاد المصري، مشيرًا إلى مجموعة من الخطوات التي تستهدف الوصول إلى نمو حقيقي بالناتج المحلي الإجمالي، وزيادة الإيرادات العامة بالقطاعات ذات الأولوية بالنسبة لعملية الإصلاح الهيكلي للاقتصاد.
ولفتت الدكتورة عبير رشدان، أستاذ الاقتصاد المساعد بجامعة المستقبل، إلى أهمية مراعاة العلاقة بين مسارات الدين العام وإجمالي الصادرات، بما يضمن تحقيق عنصر الاستدامة في الوفاء بالتزامات الدين، مؤكدة أن الإصلاح الهيكلي للاقتصاد المصري هو العلاج الأمثل من كافة آثار الأزمات الحالية، من خلال تشجيع الاستثمار، وتوجيه المزيد من الحوافز للمنظومة الصناعية والزراعية وغيرها من القطاعات الإنتاجية.
وفي حين طالب الدكتور أحمد جمعة، أستاذ الاقتصاد، بإطلاق استراتيجية متكاملة لخفض الدين العام، وزيادة تعزيز مشاركة القطاع الخاص في التنمية بما يخفف أعباء الدين الخارجي، ذكر حسام ضياء الدين، كبير أخصائي الإدارة المالية وممارسات الحوكمة العالمية بالبنك الدولي، أن الحوكمة الإدارية تعد من أبرز الخطوات التي يمكن الاعتماد عليها لزيادة الإيرادات العامة عن طريق فصل الملكية عن الإدارة، مشيدًا بالإعلان عن توجه البنك المركزي للتخارج من ملكية البنوك التجارية بما يعزز من أوضاع المنافسة في السوق.
وثيقة سياسة ملكية الدولة
كما طالب محمد يحيى، الخبير في الإدارة المالية بالبنك الدولي، بضرورة البحث عن وسائل لزيادة تمويل الموازنة العامة للدولة، مشيدًا بإطلاق وثيقة سياسة ملكية الدولة وما يمثله ذلك من حلول تحقق فوائض مالية مطلوبة، ومطالبًا في الوقت نفسه بفتح المجال على المدى الطويل لمناخ تنافسي حقيقي مع القطاع الخاص.
ومن جانبه، عرض مصطفى قطبي، اقتصادي أول بوحدة السياسات المالية الكلية بوزارة المالية، الجهود التي تقوم بها الوزارة لخفض الدين العام وتنويع مصادر التمويل وذلك من خلال إصدار سندات ساموراي بالين الياباني بقيمة تعادل 500 مليون دولار، وذلك بعد إصدار سندات خضراء بقيمة 750 مليون دولار في عام 2020، مشيرًا إلى أنه بالنسبة للدين الداخلي، تم إصدار سندات متغيرة العائد لجذب المستثمرين، والحد من توجيه السيولة في أذون الخزانة، بما يسهم في تخفيف الأعباء على الموازنة.
وأكد قطبي، أن الوزارة قامت الشهر الماضي بإصدار صكوك سيادية لأول مرة في تاريخ مصر لأجل 3 سنوات بقيمة 1،5 مليار دولار، بما يسهم في تقليل تكاليف الاقتراض، مشيرًا إلى أن مصر ليست بمعزل عن العالم الخارجي الذي يواجه أزمات في خدمة الدين والنمو بعد توجه البنوك المركزية العالمية لرفع سعر الفائدة لكبح التضخم، وبما أدى في النهاية إلى ارتفاع أسعار الفائدة عالميًا لمستويات غير مسبوقة أثرت على أوضاع الأسواق الناشئة.
وأوضح قطبي، أن الوزارة تقوم بخطوات جادة لإعادة صياغة استراتيجية الدين، بهدف إطالة عمر الدين، وتنويع إجراءات التمويل، واستهداف أسواق مالية جديدة، رغم التحديات التي تواجه تنفيذ ذلك في الفترة الحالية، بسبب ارتفاع معدلات الفائدة عالميًا، وتابع: "رغم الأزمات العالمية المتتالية، فإن الاقتصاد المصري يحافظ على تحقيق نسب جيدة من الفائض الأولي بالموازنة، وهو الأمر الذي يسهم في توفير الاحتياجات المالية للموازنة".
وحول جهود خفض الدين وزيادة الإيرادات، استطرد "قطبي" قائلًا: "نستهدف الاستمرار في إطالة عمر الدين ليصل إلى 3.4 سنوات مع نهاية يونيو 2023 وذلك مقارنة بـ 1.8 سنة في يونيو 2014، وتقليل حجم الدين نسبة إلى الناتج المحلي بحلول عام 2026 ليصل إلى أقل من 80 %، كما نستهدف زيادة إيرادات الموازنة خلال العام الحالي بنسبة 18 %"، مشيرًا إلى الإصلاحات الجارية لتحقيق الرقمنة والتحول الرقمي في المنظومة الضريبية والجمركية، بجانب وضع قانون للضرائب على التجارة الإلكترونية وإقرار منظومة الفاتورة الإلكترونية، كخطوات مطلوبة لزيادة حصيلة الإيرادات العامة، وذلك بالتوازي مع الاستمرار في الإنفاق على المشروعات الصحية والتعليمية كالتزام دستوري، وتخفيف الأعباء عن المواطنين بصرف حزم حماية اجتماعية للفئات الأكثر تضررًا.
كما لفت محمود عبد العزيز، عضو المكتب الفني لوزير المالية، إلى أن الوزارة تتابع بشكل مستمر مختلف المخاطر المالية المتعلقة بمسارات تغير الاقتصاد الكلي وسعر الفائدة ومعدلات النمو، في ضوء الالتزامات المالية المتوقعة، ليتم تضمينها في البيان المالي سنويًا.