أعلام التلاوة المصرية
مصر بلد الأزهر الشريف، تربعت على عرش تلاوة القرآن الكريم، لما تمتلكه من أصوات ملكت القلوب بسحر تلاوتهم للقرآن الكريم، طافوا العالم، استقبلهم الملوك والرؤساء والأمراء، نالوا الحفاوة والحظوة لدى العامة والخاصة، كانوا خير سفراء لمصر في كل العالم، فقد كانت عطايا حفظهم لكتاب الله خير رفيق لهم، يؤيدهم حسن خلقهم وعذوبة أصوتهم التي ملكت القلوب.
ففي مملكة التلاوة المصرية ملوك تربعوا على عرشها مثل الشيخ محمد رفعت والشيخ الطبلاوي وعبد الباسط عبد الصمد وأبو العينين شعيشع والطوخي والهلباوي والنقشبندي والفشني ومحمد صديق المنشاوي، والبنا وحلمي الجمل وراغب مصطفى غلوش والشيخ محمود خليل الحصري، القائمة طويلة تحتاج الى مجلدات لذكر ملوك التلاوة المصرية.
أعلام التلاوة المصرية
وكل واحد منهم له قصة كفاح طويلة وسوف نوجز ومضات سريعة عن بعضهم.
الشيخ إبراهيم القليبوبي المتوفى في يوليو 1966، سجل أول أذان في إذاعة الشرق الأدنى بليماسول، وأذيعت أول تلاوة قرآنية بصوته.
وكان الشيخ أبو العينين شعيشع المولود في بيلا يتعقب توافد مشاهير التلاوة بالمآتم ليجلس أمامهم وهو عمره ست سنوات، يتعلم منهم ويستمع اليهم ليشبع قلبه من تلاوتهم، وهو الملقب بملك الصبا نسبة إلى مقام الصبا الحزين، وهو أحد مقامات النغمات، وبدأت شهرته وهو في الحادية عشرة من عمره، عندما قادته الصدفة لتأدية واجب عزاء بالقاهرة فاقترح أحد أقاربه أن يقوم بالتلاوة في حضور جمع غفير من صفوة القوم، وعدد من الوزراء وعلماء الأزهر الشريف عام 1939، وفي اليوم التالي كان معتمدا بالإذاعة المصرية.
كان الشيخ أبو العينين أول قارئ مصري يقرأ في المسجد الأقصى، وكان صديقا للشيخ محمد رفعت، وناضل مع الشيخ محمود علي البنا وعبد الباسط عبد الصمد وأحمد الرزيقي في إنشاء نقابة للقراء، وانتخب نقيبا عام 1988، وعضو بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وعميدا للمعهدالدولي لتحفيظ القرآن، كما كان عضوا في لجنة اختيار الأصوات الجديدة، وجاب مصر كلها يبحث عن الأصوات الجديدة، منها الشيخ حجاج الهنداوى وياسر الشرقاوي.
ومن النوادر التي حدثت معه قصه الطربوش الذي كان يحرص على ارتدائه، والذي تنازل عنه بعد رحلته إلى تركيا عندما استقبله القنصل العام، وأبلغه أن عليه خلع الطربوش لأنه محرم في تركيا بأوامر أتتاتورك، وأخرج شالا أبيض ولفه على رأسه، ومن يومها لم يلبس الطربوش مرة أخرى.
الشيخ أحمد أبو المعاطي وهو كفيف البصر، وكان معتمدا بالإذاعة ولقرار ظالم منع المكفوفون من القراءة فى التلفزيون، إلا أنه رفع دعوى قضائية واضطروا إلى امتحانه من جديد واعتماده.
الشيخ أحمد الرزيقي شكلت الصدفة مصيره عندما مر على أهل قريته وهم مجتمعين حول الراديو الوحيد في القرية، ليستمعوا إلى الشيخ عبد الباسط عبد الصمد ابن القرية المجاورة لهم، وشاهدهم وهم في حالة من الصمت والخشوع لسماع تلاوة الشيخ عبد الباسط، ومن يومها قرر أن يبدأ رحلته في عالم التلاوة بحفظه للقرآن الكريم، وحلمه أن تذاع تلاوته في الراديو مثل الشيخ عبد الباسط، وكان يحضر لمبة جاز أو علبة فارغة ويتخيل أنها ميكرفون ويقوم بتلاوة القرآن، وقد تعلم القراءت السبع وكل فنون التلاوة، وجابت شهرته كل الآفاق وتحقق حلمه بقوة إرادته، ودائما يدين بالفضل بعد الله إلى الشيخ عبدالباسط عبدالصمد والشيخ مصطفى إسماعيل، ولا ينسى فضل الرئيس السادات الذي ساعده للالتحاق بالإذاعة.
فمن نوادره عندما كان يذهب لزيارة الشيخ مصطفى إسماعيل، كان ينادى الشيخ مصطفى على الخادمة ويقول لها: هاتي المصحف علشان أحلف بحبه.
أما نوادره مع الشيخ عبد الباسط فقد كان يوما في نيجيريا ونزلا في فيلا أحد المسئولين بالمركز الإسلامي، ودق جرس الباب ليحضر الخادم الطعام، وعندما دخل وجداه قد تجاوز المترين طولا، فقال الشيخ عبدالباسط للشيخ الرزيقي: اقرأ علية شيئا من القرآن لينصرف، وسط ضحك الشيخ الرزيقي.
الشيخ أحمد السعدني، القارئ الأشهر في الإذاعات الأجنبية فقد سجل عام 1941 في إذاعة لندن ونيودلهي وألمانيا وموسكو، مما اضطرت الإذاعة المصرية إلى مقاطعته ومنع ذكر اسمه ورفع قضية على الإذاعة ظلت أمام القضاء حتى وفاته عام 1976 وكان يقول عليه الأستاذ محمود السعدني الكاتب الكبير، إن الشيخ أحمد السعدني مجرم حرب حين قرأ في إذاعة برلين أثناء الحرب العالمية الثانية، كما كان صديقا للشاعر الكبير أحمد شفيق كامل، والذي حافظ على بعض تراثه الإذاعي.
الشيخ أحمد ندا المولود عام 1852 بحي السيدة زينب والذي فاقت شهرته خديوي مصر، وكان أجره الأعلى فقد وصل إلى 100 جنيه في الليلة، وأصبح له حنطور تجره ستة خيول وقصر يقصده الأدباء والشعراء ورجال السياسة والأدب، حتى جعل الخديوي يصدر قرار بأن يكون موكبه أقل، وأن يكون حنطوره تجره 2 من الخيول غيرة منه، وكان الشيخ محمد رفعت دائما يذكره بكل خير وأنه أستاذه وقدوته -رحمهما الله-.
والآن مع الدكتور أحمد نعينع الذي تتلمذ على يد الشيخ مصطفى إسماعيل، وحكايته مع الرئيس السادات والتي بدأت عندما كان نعينع ضابط احتياط وقرأ عدة مرات في وجود الرئيس بالإسكندرية والقاهرة، ولأن الرئيس كان "سمّيع" وذواقة للأصوات الحسنة قرر ضم نعينع الى السكرتارية الخاصة به كطبيب، وأصدر أمره أن يكون نعينع القارئ الخاص به، عندما يحضر أي احتفالية أو صلاة جمعة، ومن هنا أطلق على الدكتور نعينع مقرئ الرئاسة.
الشيخ راغب مصطفى غلوش الذي كان يقضى خدمته العسكرية بمعسكر الأمن بالدراسة، ويتردد وقتها على المسجد الحسيني والذي ارتبط بعلاقة مع شيخ المسجد وقتها الشيخ حلمي عرفة، والذى يعرف بعذوبة صوته، والصدفة وحدها قادته للقراءة في المسجد الحسيني في وجود رئيس وزراء مصر وقتها، بدلا من الشيخ طه الفشني وأعجب زكريا محيي الدين بصوته وقابله في استراحة المسجد، وأصدر قرارا بإلحاقه بمعهد القراءات فورا، ومن بعدها يساعده الشيخ حلمي لدى أمين حماد مدير الإذاعة، وهو مازال شاويشا فى الجيش حتى وفق واعتمد بالإذاعة عام 1962.
القائمة طويلة من ملوك تربعوا على عرش تلاوة القرآن الكريم، أسروا القلوب وخطفوا العقول ودمعت العيون واقشعرت الأبدان وهم يرتلون كلام الله، فقد هذب القرآن شيوخنا وحسن أخلاقهم وزادهم تواضعا، فرحم الله من انتقل إلى الرفيق الأعلى، ونفع بنا وحفظ الله من بقى ليصدح بكلام الله خير الكلام وأطيبه.
نستكمل في المقال القادم بعضا من طيب سيرة مشايخنا من القراء.