بين كوميديا التلفاز والسوشيال ميديا
عرفنا الكوميديا جميعا من خلال التلفزيون أو السينما وقبلهما الراديو الذي كان مصدر الترفيه الوحيد للأجيال السابقة، حيث كانت تقدم خلاله قديما بعض المسلسلات والبرامج الطريفة.
ظل الأمر هكذا حتى سنوات قليلة مضت، وبشكل خاص مع بداية انتشار الإنترنت، وظهور السوشيال ميديا التي أتاحت برامج تمكن من إنشاء محتوى فيديو بكل سهولة خلال كاميرا الهاتف فقط ثم النشر بضغطة إصبع لا أكثر، وبلا تكلفة تذكر غير امتلاك هاتف ذكي متصل بالشبكة العنكبوتية.
فتح ذلك الباب على مصراعية لكل من كان سواء لديه موهبة ما يقدمها، أو لمجرد رغبته في الشهرة إصابته بهوسها فقط، ولا يخفى على أحد ما وصلنا إليه الآن من ابتذال لم يكن يتصوره عقل على تلك المنصات.
وسط كل ذلك خرج علينا بعض من يقدمون أنفسهم على أنهم صناع محتوى كوميدي، وللأسف بسبب سطحية فئة ليست بالقليلة من رواد هذه المواقع، ولأن مقياس النجاح في ذلك المجال هو نسب المشاهدات بغض النظر عن نوعية الجمهور المستهدف، وجدنا أشخاصا لا مؤهلات لديهم على الإطلاق وبعقول ضحلة للغاية يتصدرون المشهد كمقدمي محتوى كوميدي عبر الإنترنت، وعندما نشاهد ما يقدمونه لن نرى سوى تفاهة وإسفافا ليس إلا، حتى وصل الأمر إلى مشاهدة أكثر من مليون شخص لسيدة لا تصنع شيئا سوى أنها تجلس أمام الكاميرا لتأكل المحشي والبط بطريقة غريبة لا أعرف ما هي الكوميديا فيها، وذلك في منتهى الخطر ويؤثر تأثيرا كبيرا على الذوق العام للناس ويتجه به إلى الهاوية، ورغم ذلك وحتى نكون موضوعيبن فإن عددا لا يتعدى أصابع الأيدي الواحدة نقول بأن لديه موهبة يمكن الاستفادة منها كما حدث مع الذين انتقلوا من شاشات المحمول إلى التلفاز واستطاعوا النجاح وتحقيق أنفسهم عندما وجدوا فرصة حقيقية وطريقا سليما.
مما لا شك فيه أن الفن في معناه الحقيقي رسالة يجب أن تهدف إلى الحفاظ على ثوابت وقيم المجتمع مع الحرص على مراعاة تقديم ذلك بشكل لا يخلو من المتعة والإبداع.
وهذا ينسحب على الأعمال الكوميدية بشكل أساسي، فهي ليست فقط لإضحاك الناس كالنكات التافهة وإلا فقدت قيمتها، ولكن يجب أن يراعى فيها تقديم الفائدة وترسيخ فكرة ما، وذلك بالفعل كان يحدث دائما في أغلب الأعمال الدرامية سواء كانت تلفزيونية أو سينمائية، وهو ما نجده هذا العام أيضا من خلال أعمال رائعة تقدمها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في شهر رمضان المبارك الذي يشهد تميزا ملحوظا في كافة إنتاجها الدرامي بتنوعه سواء كان كوميديا، أوتاريخيا، أو وطنيا، أو اجتماعيا، و من الأعمال الكوميدية المتميزة مسلسل الكبير أوي بطولة النجم أحمد مكي ومجموعة مبدعة من نجوم الكوميديا، ومن يتابع هذا العمل سيجد أنه ورغم الكوميديا الرائعة فيه، لا يخلو من رسالة هامة وتسليط الضوء على سلبيات معينة تتنافى مع قيمنا، ولعله يتناول الآن الأمر الذي تحدثت عنه في بداية مقالي، والذي يخص من يسمون صانعو المحتوى عبر الإنترنت، ولكن بكافة تنوعهم وابتذالهم أيضا، ويظهر بشكل سلس وغير مباشر كيف وصل مرض الشهرة لدى هؤلاء لدرجة تناول حياتهم الخاصة وافتعال أحداث وهمية بها لتحقيق المشاهدات.
ومن الأعمال الرائعة أيضا مسلسل الصفارة بطولة النجم أحمد أمين وفريقه المتميز الذي يستطيع رسم الابتسامة على وجه المشاهد، وإطلاق ضحكاته مهما كانت حالته النفسية بكل سهولة، وكذلك ربما لا نجد حلقة لأمين بلا حكمة أو لمحة ساخرة أقرب للفلسفة، وذلك يدل على ثقافته العالية وجودة اختياراته وكيف أنه يتعامل مع ما يقدمه كنوع من الفن الراقي والهادف.
وهنا نجد وبوضوح الفارق الكبير بين ما يُقدم عبر السوشيال ميديا من محتوى يتعامل معه البعض على أنه كوميديا وقد يكون تخريبيا في الحقيقة، وبين ما أصبحنا نجده من عودة إلى الدراما الهادفة بشكل عام عبر التلفاز والكوميدية بشكل خاص، لأنها غاية في الأهمية كون أغلب جمهورها من الأطفال الذين ما زالوا في مرحلة التكوين النفسي والتربوي، ولا يجب أن يكون ما يقدم لهم عشوائيا مثل ما يحدث عبر الإنترنت، وهو الأمر الذي تتم مراعاته في التلفزيون حيث يكون هناك فريق متخصص خلف كل عمل وجهات رقابية أيضا، وليس مجرد شخص استيقظ من نومه بفكرة تافهة قرر صنع فيديو أو فتح البث المباشر وعرضها على الناس دون أدنى مسئولية، وهنا لابد من لفت الانتباه إلى ضرورة وجود طريقة للتصدي لذلك وإنهائه أو على الأقل الحد منه.