الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

ليلة القدر

الخميس 13/أبريل/2023 - 01:45 م

إن أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أمة قصيرة الأعمار ضعيفة الأجساد إذا قورنت بغيرها من الأمم السابقة، وهذا الأمر قد ألمح إليه سيدنا موسى عليه السلام عندما نصح سيدنا محمد أن يرجع إلى ربه ويسأله التخفيف عن أمته في فرض الصلاة، فإن بني إسرائيل كانوا أطول أعمارًا وأقوى أجسادا وما أطاقوا ذلك أو أقل منه، وأن لأمة محمد على قصر أعمارها وضعف قواها، أن تصل إلى ثواب وأجر من كانوا قبلها؟ هنا يتجلى التكريم والتفضيل والرحمة الإلهية لأمة محمد عندما يمنحها الله ليلة واحدة في شهر رمضان من يوفق لها بفضل الله تعالى فيحييها ويقيمها إيمانا واحتسابا يغفر له ما تقدم من ذنبه، وكانت أفضل عند الله من عبادة ألف شهر في الأمم السابقة أي ما يعادل تقريبا ثلاثة وثمانين عاما، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.


يقول الإمام مالك رحمه الله: (بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرى أعمار الناس من قبله وما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته إلا يبلغوا من العمل ما بلغه غيرهم من طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر، وروي عن سيدنا مجاهد بن  جبر شيخ المفسرين وتلميذ سيدنا عبدالله  بن عباس رضي الله عنهما  قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر رجلًا من بني إسرائيل لبس السلاح ألف شهر أي مجاهدا في سبيل الله فعجب المسلمون من ذلك، فأنزل الله هذه السورة ( ليلة القدر خير من ألف شهر )، والمعنى: لا تتعجبوا من ذلك معشر المسلمين، وتستكثروا هذا العمل لأن أعماركم قصيرة، فإن الله أعطاكم ليلة القدر من قامها وفعل الخير فيها كانت خيرا وأعظم أجرًا وثوابًا من ألف شهر التي ظل فيها هذا الرجل مجاهدًا عابدًا وغير ذلك من أقوال العلماء والمفسرين، قل فضل الله ورحمته فلتفرح أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فليلة واحدة من أعمارنا خير من عبادة من سبقونا ألف شهر.


هذا وقد قال بعض المفسرين: إن العدد المذكور هنا (ألف شهر) ليس مقصودا لذاته تحديدًا، بل معناه: جميع الدهر، لأن العرب تذكر الألف في غاية الأشياء، ولا تقصد العدد نفسه، ونظير ذلك قوله تعالى عن اليهود (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة). أي: يعمر طول الدهر، لا ألف سنة فقط.


وقد وصف الله -عز وجل-هذه الليلة في القرآن بوصفين. الوصف الأول: (البركة) فقال تعالى (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) الدخان/٣، وهذا الوصف بالبركة لكثرة ما ينزل الله فيها على عباده من أمة محمد من البركات والنفحات والثواب الجزيل، ومن أعظم بركاتها ونفحاتها إنزال القرآن الكريم فيها، حيث أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم تتابع نزوله مفرقًا على مدى ثلاث وعشرين عامًا على قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانت بداية إنزاله في ليلة القدر المباركة.


الوصف الثانى: (القدر) فقال تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر) سورة القدر / ١، وقد تعددت أقوال العلماء في بيان المراد من القدر فقيل: معنى (القدر) من التقدير وهو الحكم، لأن الله - عز وجل – يقدر فيها من أحوال الخلق ما يشاء إلى ليلة القدر التي تليها وقيل: القدر معنى العظمة ورفعة الشأن من قولهم (رجل ذو  قدر) أي  ذو منزلة ومكانة، وهذه المنزلة لليلة القدرتظهر من جوانب متعددة، فقدرها العظيم جاء من أنه قد أنزل فيها كتاب ذو قدر وهو القرءان، على نبي ذي قدر وهو سيدنا محمد ارسل لأمة ذات قدر وهي الأمة المحمدية، ولأن من يقيمها يكون صاحب قدر.


وقيل: القدر بمعني الضيق، ومنه قوله تعالى (فقدر عليه رزقه) والمعنى أن الأرض في ليلة القدر تضيق لكثرة الملائكة الذين ينزلون فيها بالسلام والرحمة من عند الله على أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.


وليلة القدر في الليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان وأرجاها ليلة 23 أو 27، وهي من أعظم الأوقات التي هي مظنة استجابة الدعاء بعد تحقيق ما يلزم له أولا من سلامة الصدر من الأحقاد والحسد والنفاق، والتسامح بين الناس، والبعد عن الكراهية والبغضاء والشحناء، وخير ما يدعو به المسلم ربه، هذا الدعاء الذي علمه رسول الله للسيدة عائشة (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا).

تابع مواقعنا