الأربعاء 27 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

توبوا إلى الله

الأربعاء 19/أبريل/2023 - 06:23 م

کل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.. هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم، إطار عام بمقتضى كلمة (كل)،  يشمل جميع أبناء آدم إلا من عصم، وهم صفوة الله من خلقه من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم  أجمعين وعلى رأسهم سيدهم وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والذي نقول دائما إن العصمة من الذنوب والمعاصي ماتت يوم أن مات، وقد جاء التعبير النبوي بصيغة المبالغة (خطاء) التي تدل على كثرة تكرار الخطأ، وحدوثه مرة بعد مرة من العبد، فهذا من لوازمه، والله سبحانه وتعالى عواد بالمغفرة، ولو بلغت ذنوب العبد عنان السماء، ثم عاد إلى ربه  تائبًا نادمًا، غفر الله له ما كان منه ولا يبالى، ولا يمل الله من المغفرة ما تاب عبده إليه.

وقد أمر الله عز وجل عباده بالتوبة والإنابة إليه، والتحلل من المظالم قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة، بل صح في الحديث عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يفرح بتوبة عبده فيقول: (لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك، إذ هي قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة فرحه: ( اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها). ويقول المولى سبحانه وتعالى مناديًا على عباده الذين زين لهم الشيطان وسول لهم،  فساروا في طريق الغواية والضلال، وغرتهم الدنيا وزخرفها، فنسوا ما عند الله، يقول لهم فاتحًا باب التوبة والأمل مهما كان عملهم: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) الزمر/53، وقد تعددت أقوال العلماء والمفسرين في سبب نزول هذه الآية المباركة، فمن ذلك ما قاله سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان قوم من المشركين قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أو بعثوا إليه: إن ما تدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما فعلناه توبة، فأنزل الله تعالى هذه الآية: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله...) الآية.

وورد عنه أيضا أنه قال -رضي الله عنه- (نزلت في أهل مكة قالوا: يزعم محمد أن من عبد الأوثان، وقتل النفس التي حرم الله لم يغفر له، وكيف نهاجر ونسلم، وقد عبدنا مع الله إلها آخر، وقتلنا النفس التي حرم الله؟ فانزل الله هذه الآية.
- وقيل: نزلت في قوم من المسلمين أسرفوا على أنفسهم في العبادة، وخافوا ألا تقبل منهم عبادتهم لذنوب سبقت لهم في الجاهلية. وقيل: نزلت في وحشى بن حرب، الذي قتل سيدنا حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة احد في  شوال 3 هـ)، وقد أصيب النبي بموت عمه مصابًا عظيمًا، وحزن عليه حزنًا شديدًا، يقول سيدنا ابن عباس: (أتى وحشى إلى النبي صلى لله عليه وسلم فقال: يا محمد أتيتك مستجيرًا، فأجرني حتى أسمع كلام الله. فقال له النبي الكريم: قد كنت أحب أن أراك على غير جوار، فأما إذا أتيتني مستجيرًا فأنت في جواري حتى تسمع كلام الله، قال: فإني قد أشركت بالله، وقتلت النفس التي حرم الله، وزنيت، فهل يقبل الله منى توبة ؟ فصمت رسول الله حتى نزلت:(والذين لا يدعون مع الله إلها ءاخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون..)، ثم قال بعدها مبينا تجاوزه عن هؤلاء إذا  تابوا: (إلا  من تاب وءامن وعمل عملا صالح...) - سورة الفرقان /68 إلى 71 فدعا به  فتلاها  عليه، فقال: أرى شرطا، فلعلى لا أعمل صالحا، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله، فنزلت: ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.. ) النساء/ 48، فدعاه فتلاها عليه، فقال: فلعلي ممن لا يشاء، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله، فنزلت: (یا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) الزمر / 53، فقال: الآن لا أرى شرطًا، فأسلم) - وهذه الآية المباركة  برد وسلام على قلب كل عاص ومذنب، وإن كان لها أسباب نزول في أشخاص بعينهم، إلا إنها عامة، فالقاعدة التي قررها العلماء والمفسرون: (أن العبرة بعموم اللفظ، وليست  بخصوص السبب)، فيا كل عاص ومذنب وأنا أولكم، ويا كل مقصر وأنا أولكم، وياكل خطاء وأنا أولكم إن باب القربة مفتوح، والله يمد إلينا يده، فهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، فلنتب إليه  جميعًا، ولنرد المظالم لأهلها، ولنتحلل منها، ولنقل جميعا بلسان الحال والمقال: (تبنا إلى الله، ورجعنا إلى الله، وندمنا على ما فعلنا، وعزمنا على أننا لا نعود إلى ما يغضب الله أبدا).

فاللهم اقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وتب علينا لنتوب يارب العالمين، ويا أرحم الراحمين.

تابع مواقعنا