العيد في قريتنا
أعتز جدا بجذوري الريفية القروية، فالقرية لها عندى مكانة كبيرة، هي الونس والألفة والمودة والترابط الذي يربط بين جميع أفرادها، تجدهم على قلب رجل واحد في السراء والضراء، لما بينهم من صهر ونسب وجوار في البيت والأرض، صحيح قد تكون تغيرت القرية عن التي نعرفها، لكنني مازلت أحكي لأولادي عن أخلاق وكرم القرية وعاداتها فى كل المناسبات في الأفراح والمآتم والموالد والأعياد والحضرة التي كنا نقيمها قبل الليلة الكبيرة لمولد شيخنا الجلالي، وما يحدث في موسم زراعة الأرز والقمح والقطن وكيف يتعب هؤلاء الأهالي ويقاسون من قسوة حياتهم.
لم يعرفوا الشكوى يوما، رضوا بحالهم برغم نقص كل الخدمات المقدمة إليهم، كنت وقتها أدرك أن قريتنا هي آخر حدود العالم، تعلمت القراءة لكي أبحر بعيدا وأنسج فى خيالى عالمي الخاص، سافرت كل الدنيا وأنا تحت شجرة التوت، رأيت ناطحات السحاب والمدنية بكل تفاصيلها فى شوارع قريتي.
عندما كنت أعود أتذكر أننا في مدرسة مشتركة يقصدها أبناء القرى المجاورة مما يجعلنى أفتخر بأن قريتى الأكبر، وأن البوسطة (مكتب البريد) لدينا ولدينا غرفة أطلقوا عليها مركز شباب، وطريق طيني غير ممهد وكهرباء نراها بالصدفة، ووعود من أعضاء البرلمان أن غدا يحمل لكم الكثير لم يتحقق.
عندما قامت ثورة 25 يناير كان كل اهتمامي هو الشهيد الحي الفلاح المصري متى سيأخذ حقه، وتعترف الدولة أن كل قرى مصر ينقصها الكثير، تكلمت وتمنيت وكتبت ما هو شاهد على كل أحلامى لكل الريف المصري.
بعد سنوات كانت حياة كريمة تلك المبادرة التي جاءت بعد عقود من الإهمال لتقول لـ 72 مليون مصرى أنتم فى أعيننا.
تذكرت اليوم قريتي ونحن في عيد الفطر، وطبيعة اليوم هنا فى المدينة تختلف بشكل كبير عنه في الريف.
قبل العيد بأيام تكون هناك حالة طوارئ فى البيت، الاستعداد لعمل الكعك والبسكويت، وحالة من الزحام الشديد على مدار ليالي متتالية لتجهيز المواسم وشراء الملابس الجديدة لكل أفراد البيت.
زحام لدى الترزى الرجالي والحريمي، هناك حالة جلبة ومشاوير لا تنقطع للسؤال متى يتم استلام الجلابية والبيجامة الكستور، ويا سعده من يحصل على ملابسه قبل العيد فيظل يحتضنها حتى ليلة العيد، زحام لدى الحلاق فلم يتبق سوى ساعات ونذهب لصلاة الفجر، وبعدها نستعد لصلاة العيد، نذهب جميعا إلى الصلاة بعد الاستحمام ونلبس الملابس الجديدة، وما أجمل أن تكرر التكبيرات وترفع صوتك لتسمعها أمي في الميكرفون، حيث كنا نذهب مبكرا لنكون بالقرب من شيخنا محفظنا القرآن في القرية ولنلتف حول الميكرفون لنظل نكبر الله أكبر كبيرا.
بعد انتهاء الصلاة جرت العادة أن نذهب جميعا إلى المقابر لنقرأ الفاتحة على أقاربنا الذين نفتقدهم وقد توفاهم الله، ويسلم الجميع على بعضهم البعض.
نعود إلى البيت ويتم الحصول على العيدية، وتكون السعادة كبيرة عندما تكون الفلوس جديدة، ويظل الأطفال في حالة من الفرح وهم يتلقون العيدية من كبار العائلة والأقارب، ثم ينطلقوا لشراء الحلوى وركوب المراجيح أو شراء البالونات وغيرها من الأشياء البسيطة التي تناسب بساطتهم وتتوفر لدينا.
ويكون الإفطار سريعا عند العودة من القرافة، وتفتح غرفة الضيوف، وتوضع صينية كبيرة عليها كعك وبسكويت وترمس وحلويات وكل الخيرات، وتبدأ الوفود تباعا للدخول للسلام والمعايدة، وفي بيتنا يظل الوالد لاستقبال الضيوف حتى قرب صلاة الظهر بينما يطلب منا أن نقوم بالمرور على كل أهل الشارع ثم التوجه إلى الأقارب والعمات والخالات وأهل الأصدقاء وهكذا دواليك نظل ننتقل من بيت إلى بيت للمعايدة ولنقدم السلام والتحية لجميع أهل البيت.
وبالمناسبة كان يوم العيد هو يوم إجازة حقيقي حيث لا نذهب فيه إلى الحقل، وذلك يعطينا الفرصة إلى الانطلاق فليس لدينا اليوم مسئولية، بعد الظهر كان يذهب البعض لمشاهدة الفيديو أفلام بروس لى وأفلام هندية حتى يحل المساء، كان من عادتي يوم العيد ألا أذهب إلى المقابر إلا نادرا، وبعد القيام بزيارة أقاربي أومن يعطيني أبي من تعليمات لزيارته أذهب إلى شجرة التوت لأظل هناك حتى وقت المغرب، لكننى كنت سعيدا بسعادة الجميع وابتسامة غالية تملأ أعينهم كانت تسعدني.
غابت روح القرية ولكن سيبقى عطرها راسخا في الوجدان، حيث الحب بلا ضغينة، وبيوت مفتوحة على مصراعيها، لا تعرف من الغنى ومن الفقير وأطباق دوارة تمر على البيوت، وأمهات رغم العوز رؤسهم شامخة، تعلمت كيف توقر الكبير وتعطف على الصغير وتقوي الانتماء لموطن رأسك، ارتحلنا بعيدا لكن يبقى الحنين إلى روح قريتي.
كل عيد وكل مصر طيبة وبخير.