كرامة الشيخ عبد الله كامل
رغم اختلافي الفكري مع الشيخ الراحل عبد الله كامل ومع مشايخه الذين أرى فيهم بعض التشدد، لكن ذلك لم ينقص أبدا من محبتي له وتقديري لمواهبه المتعددة، ولا من احترامي أيضا لبعض مشايخه.
كنت في الفرقة الثالثة بكلية الإعلام جامعة الأزهر وكنت في المدينة الجامعية، وكان بعض من أئمة الجامع الأزهر يأتون إلينا نراجع على أيديهم ما حفظناه ونتعلم شيئا يسيرا عن القراءات والمقامات، وفي هذا الوقت كانت منتشرة أنشودة "هل صليت اليوم عليه" وكنت قد خصصتها نغمة لهاتفي.
وذات مرة رن هاتفي ونحن بين يدي أحد هؤلاء الأئمة، وكان شابا رأيت فيه بعض الكبر ولم يجذبني صوته رغم أنه كان يتفنن في استعراض ما يعرفه من مقامات موسيقية وجمل نغمية، فوجدته مفزوعا وكأنه قط داس أحدهم على ذيله: "افصل الرنة المستفزة دي"، فقلت له: "يا مولانا ده الشيخ عبد الله كامل.. صوته جميل جدا"، فازداد غضبه وقال: "بلا عبد الله كامل بلا عبد الله ناقص".
رأيت في عيني الرجل حقدا وغلا لم أر مثيله بين أهل القرآن وتعجبت وسألته: "لماذا تقول هذا على الرجل والآلاف يشهدون له بصوته الجميل العذب المؤثر؟"، وقال لي كلاما كثيرا مضمونه: "ده مش دارس مقامات.. هو في كل الآيات بيقرأ بمقام الحزن وبيمثل عشان كدة الناس بتحبه".
بعد ثلاث سنوات من هذا الموقف تفاجأت بنقابة القراء تشطب عضوية هذا القارئ من سجلاتها بسبب مخالفاته المتكررة في تلاوة القرآن الكريم، ولم أر له أي نشاط في الجامع الأزهر بعدها، وقلت في نفسي وقتها: "إنها إرادة الله تفضح النوايا السيئة.. وتدافع عن أهل القرآن وأصحاب البصائر.. وترد على مكائد أهل المكائد وشرور أهل الشرور".
الشيخ عبد الله كامل حرمه الله من نعمة البصر لكنه أعطاه نعمة البصيرة ومنحه مواهب قلما تجتمع في شخص واحد.. فهو القارئ حسن الصوت والمنشد "الصييت" والخطيب المفوه والشاعر الموهوب.. وقد شهد له المبتهل الراحل وأستاذ المقامات محمد الهلباوي بحسن الصوت وجمال الأداء وكذلك شهدت له لجنة كبيرة ضمت علماء أفاضل من عدة دول في مسابقة "المزمار الذهبي" أكبر وأضخم مسابقة أصوات قرآنية في العشرين سنة الماضية.. رحم الله الشيخ عبد الله كامل.