شبابنا في أزمة
الشباب هم عافية الأمم وأملها نحو مستقبل أفضل أو الحفاظ على مسيرة نجاح وتقدم قائمة، ولا يمكن أن تنهض أمة بشباب تائه أو مشوش يفتقر إلى الوجهة الصحيحة، ولا يعلم ماذا يريد أو كيف يصل.
المشكلة الأكبر من ذلك عندما يظن أنه يعرف ويعي ويمتلك الخبرة التي تؤهله وتجعله لا يحتاج إلى نصح أو توجيه.. فنجد دور القدوة قد انحسر كثيرا إلا في حدود ضيقة.
لا شك أنه يوجد لدينا شباب مجتهد جدا، ويتعلم بشكل صحيح ويعرف ما يلزمه جيدا، وأيضا طريقه واضح تماما أمامه ويبحث عن الفرصة على الدوام ويسعى خلفها بكل اجتهاد، وهؤلاء لهم كل التقدير والاحترام كونهم استطاعوا أن ينقذوا أنفسهم مما يحدث حولهم، ويتمسكوا بتقاليد وجدوا أنها ذات قيمة حقيقية، وبدونها لا تستقيم الأمور، ولم يغتروا بتلك الشعارات البراقة خارجيا بينما هي جوفاء مضللة، تتخفى في أثواب مختلفة مثل الحداثة والتنوير والاستقلالية والاكتفاء وغير ذلك من الكلمات الرائعة إذا تم تطبيقها بمفهومها الصحيح، لكن ذلك لا يحدث بسبب استبدال المفاهيم واختلاط المعاني الآن.
نتابع ونلاحظ حالة التمرد التي أصبحت سائدة في أوساط الشباب بشكل لم نسمع به من قبل، وذلك للنقلة الاجتماعية الهائلة التي أحدثها التطور التكنولوجي الرهيب في السنوات القليلة الماضية، والمستمر معنا حتى الآن لدرجة أننا لا نعرف غدا ماذا يمكن أن نجد وكل شيء أصبح متوقعا.
مع هذه الأوضاع نجد أن شبابنا قد انقسم إلى قسمين بخلاف النوع الرائع و الذي نعتز به ونعقد عليه الآمال كما أشرت في البداية، فإما نجد نوعا غير مبالي بكل ما حوله ويعيش تحت تأثير حاجاته الشخصية فقط، وذلك النوع منهم كثيرين يقعون تحت تأثير الأنواع الحديثة والمدمرة من المخدرات التي تفتك بمتعاطيها فتكا بعدما تكون قد دمرت خلايا المخ لديه وحولته إلى كائن لا قيمة له ولا فائدة منه.
أما القسم الثاني هو الذي يرى أنه متعلم ومثقف ومتطلع ولا يحتاج لنصح أو إرشاد، وربما لم يقرأ أحدهم كتابا مهما في حياته، ولكن هو فقط يعيش على هاتفه الذي يتجول من خلاله بين صفحات التواصل الاجتماعي، التي تفيض بمنشورات مجهولة الهوية والمصدر لا نعرف من ورائها على وجه التحديد.
وقد يظن قارئها دون تمعن للوهلة الأولى أنها مقولات حكيمة ومهمة، بينما الواقع أنها لا تعدو كونها كلاما تافها إما يغذي فكرة الأنانية، وحب الذات والانتقام وغير ذلك، أو يدخل من يتأثر به في دور الضحية المفترى عليه من كل الكوكب.
بكل أسف وقع الكثير من الشباب تحت تأثير السوشيال ميديا بشكل لا يختلف في خطورته عن تأثير إدمان المخدرات.. فكلاهما يستهدف العقل إما بتعطيله أو تشويشه ومن ثم تدمير صاحبه تماما.
لا يتخيل أحد أن الأمور تسير هكذا عشوائيا أو أن تلك الوسائل الحديثة التي تتخفى تحت مسمى التواصل صنعت للترفيه واللعب.. إنها تحولت من عالم افتراصي إلى واقع مؤرق في حياتنا، يتحكم فيه ويؤثر في أحداثه لدرجة أن قرارات البعض يمكن أن تتخذ بناء على عبارة معينة قرأها واقتنع بها تماما كحقيقة لا يساورها شك وتصرف بناء عليها وكأنه آلة يحركها شخص آخر.
وذلك ما يحدث فعليا عند الاستسلام لذلك الساحر البراق والذي يلبس رداء المتعة والترفيه والثقافة، بينما هو يسحر أعين الشباب وعقولهم، ويحولهم إلى دمى يحركها دون أن يشعروا أو يعلموا.
وذلك يحدث مع الشباب بشكل خاص لأن أغلبهم الآن لا يمتلكون مخزونا فكريا وثقافيا مثل الأجيال التي نشأت قبل ظهور هذا المارد الافتراضي، فتكونت أفكارهم من الكتب التي قرأوها وأيضا ممن سبقوهم حيث كانت الحكمة حاضرة حتى بين الأميين من خلال الأمثال الشعبية الرائعة، وليس مجرد مقولات فارغة تحول المتأثرين بها إلى مسوخ يعيشون وهم بداخلهم، ويرفضون بكل شدة أي محاولة لإيقاظهم.