الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

لماذا أحببت «الولد الشقي» محمود السعدني؟

الخميس 04/مايو/2023 - 12:50 م

عادتي عندما أنسجم مع كاتب وأتعلق به أكثر من اللازم، أن أترك كل كتاباته وأنصرف إلى كاتب آخر كي لا أتأثر بأسلوبه في كتاباتي أو في حياتي العادية، مهما كانت درجة حب هذا الكاتب في قلبي، ومهما كان إنتاجه الفني والأدبي أو أسلوبه، حتى وقعت «مذكرات الولد الشقي» للكاتب الكبير الراحل محمود السعدني بين يدي لأول مرة منذ ثلاث سنوات، وبالتحديد في عام 2020، ومنذ ذلك التاريخ وأنا أقبل على كتب وروايات «السعدني» التهمها كذئب جائع انقض على غزالة شاردة في الصحراء، وحاولت طيلة هذه السنوات أن أقرأ لكتاب كبار آخرين غير «عمنا محمود» لكن لا أتجاوز مقدمة الكتاب حتى أتراجع سريعا، وأرجع لألتهم كتابا أو رواية «سعدنية» جديدة.


بداية معرفتي بأعمال «السعدني» كانت في مرحلة صعبة من حياتي، فكنت قد أنهيت فترة تجنيدي وكنت أبحث عن أي وظيفة أو عمل، وطالت هذه الفترة حتى وصلت عامًا كاملًا بسبب انتشار فيروس كورونا، وتأثر سوق العمل بهذه الأزمة العالمية، وخلال هذه الفترة قرأت للعم محمود السعدني عشرات الأعمال، وما زلت مستمرا في القراءة حتى هذه اللحظة.

محمود السعدني، ليس مجرد «كاتب ساخر» أو «صحفي مشاغب» فقد قرأت لكتاب كبار قبله منهم توفيق الحكيم وأحمد رجب ولم أتأثر بهم مثل تأثري بـ«السعدني»، والسر في ذلك يرجع إلى حياة السعدني نفسه ونشأته، فالأدب عنده كما يقول الأستاذ الكبير صلاح حافظ: "ليس تصويرا للحياة وإنما هو الحياة نفسها، وشخصيات قصصه ليسوا رموزا وإنما حقائق حية، عاشرها بنفسه، وجاء يحكي لنا عنها".

ويقول أيضا الكاتب الصحفي صلاح حافظ عن «عمنا محمود» في مقدمة جوهرة أعمال الكاتب الساخر «خوخة السعدان»: "سر السعدني أنه لا يوجد مكان أو بيئة أو مدينة أو شعب لا يشعر معه أنه في بيته، فهو يأكل الكافيار في قصور السادة بنفس اللذة التي يأكل بها كوز الذرة على الرصيف، وهو في السجن كان يداعب السجان ويسمع أمجاده بلذة حقيقية، وفي بورسعيد كان يقضي الليل والنهار مع الصيادين، وفي لندن كان يسمع بشغف متاعب أصحاب الملايين، وفي حواري الجيزة كان يشغله الجزار الذي قبض عليه رجال التموين، وصاحب المقهى الذي سقطت لافتته لأنه ثبتها بجبس مغشوش".

ما قاله "حافظ" لمسته بنفسي في أعمال "السعدني" المتنوعة، فالرجل تناول في أعماله شخصيات واقعية للطبقة المطحونة في الأربعينات من القرن الماضي، والذين وصل بهم الفقر إلى درجة منقطعة النظير، ويتعرض لشخصيات لا تخلو منها الحارة المصرية حيث "صاحب القهوة"، و"صبي المعلم"، و"الفران"، و"النصاب"، و"القروي الساذج"، و"الصعيدي الطموح"، وفي السجن كان قريبا من "الحرامي"، و"قتال القتلة"، و"القواد"، و"تاجر المخدرات"، و"المهرب"، و"السجان"، و"الضابط"، وحتى "المأمور"، وفي الريف يتناول حياة "الفلاح الغلبان"، و"العمدة الظالم" و"شيخ البلد المتواطئ"، و"شيخ الخفراء المغلوب على أمره"، وكأنه "فلاح ابن فلاح" رغم أنه ولد وتربى في حواري الجيزة.

وخلال رحلتي مع أعمال السعدني هزتني من الأعماق روايتان إحداهما "خوخة السعدان"، والتي تجسد الحارة المصرية تجسيدا واقعيا بدون أي تجميل، ورغم المرارة أحيانا في بعض شخصيات "الخوخة"، لكن أسلوب السعدني الساخر الجميل كان يجعلني أشعر بلذة ومتعة شبهها صلاح حافظ بـ"طلاء من السكر يغلف المأساة"، والرواية الأخرى هي "الولد الشقي في السجن" والتي تناول خلالها نماذج متعددة لهذا العالم الغريب والعجيب بجرأة منقطعة النظير وكوميديا سوداء.

صحبة "السعدني" والتي كان يجتمع معظمها على قهوة “محمد عبد الله” في الجيزة، من النادر أن تجد مثلها في قرن واحد، فقد كان السعدني صديقا لمعظم أساتذة الأدب والصحافة والثقافة في مصر، فالقائمة طويلة وكل واحد فيهم هو "كوكتيل مواهب" وأتذكر منهم الأساتذة: "عبد الرحمن الخميسي، زكريا الحجاوي، كامل الشناوي، مأمون الشناوي، وأنيس منصور"، كما كان صديقا مقربا للعندليب عبد الحليم حافظ، والسندريلا سعاد حسني، والشرير الظريف توفيق الدقن، وغيرهم من نجوم الفن والسياسة والأدب.

شدة تعلقي بأعمال السعدني دفعتني للتعرف أكثر على العائلة السعدنية، وبالفعل تواصلت عدة مرات مع نجله الكاتب الصحفي الأستاذ أكرم السعدني وقلت له: "أنا حاسس إني معمولي عمل باسم أبوك.. بقالي 3 سنين مش عارف اقرأ لحد غيره.. حاسس إن كتبه أفيون أو حشيش.. الكتاب بيخلص في يومين تلاتة قبل ما أخلصه بفكر في اختيار الكتاب اللي بعده.. أنا خلاص بقيت سعدني وسعدنت معظم صحابي"، وكان الرجل غاية في الأدب والاحترام في الرد عليّ، وقال لي: "هو ده محمود السعدني.. كتير جدا قبلك قالولي نفس الكلام بالظبط.. وأنهم وصلوا لمرحلة مش عايزين يقرأوا لحد بعد محمود السعدني.. وهو ده سر أبويا الله يرحمه".

تابع مواقعنا