انتهى الحوار!
«لئن لَم تَنتَهِ لأرجمنك واهجرني ملِيا»، وإن غياب التعقل لدى كل مستمع للحجج يعني انتهاء «الحوار» قبل بدايته، بل قد يعقب تجاهل الحوار ابتعاد ونأي عن الحق وغلو في الخصومة وسقوط للحكمة، وإمعان في التنكيل، ثم تخويف وتهديد أو هجر فعذاب، وإن «الحوار» في مضمونه الفلسفي لهو ميل نفسي إلى البحث عن الشيء والالتفاف حوله والإجماع على التعلم من ماهيته، وإن ما نعيشه في هذا الزمان تؤكد فيه المجريات بكل أبعادها أن البشرية فقيرة إلى هذا النمط من التفكير ومحتاجة إلى دروس في بيان ماهية الحوار، كما هي في حاجة أشد إلى وسائل تعين على تطبيق ذلك الحوار أو تحويله إلى حياة عملية يزاولها الناس.
الحوار في ذاته هو بؤرة الحديث والكتابة، وانعدام روحه من حياتنا على المستويات المختلفة سواء الداخلية منها أو الخارجية، وعلى المستويات الفردية والجماعية هو ما يؤصل لروح الفرقة ويوسع الهوة وينسف أواصر الوحدة والتعاون والترابط على المستويات كلها بل يخل بنمط الحياة، وفلسفة التعامل، وسبيل التفاهم.
ويبدو أن هذه الرؤية للحوار، كانت بكل تفاصيلها داخل بصيرة شخصية تتمتع بعقل فيلسوف وضمير قاضي، وهي تضع نواة الحوار الوطني في مصر، الذي يستهدف حمل الحقيقة أمام الجميع وعبرهم، عن الأوضاع فى مصر وما يحدث بها على المستوى السياسي والاقتصادي بشفافية وانضباط وسعّة، وبالتالي تبني التصحيح الذي لا يحمل مواربة أو استخفاف أو هوى لحقيقة الأوضاع فى الشارع المصري.
الحوار الوطني في مصر، وكما أنه يمثل خطوة كبيرة نحو مزيد من الاستقرار ويؤسس لمرحلة جديدة لمزيد من جذب الاستثمار، وذلك من خلال إرساء دعائم منها أن مصر دولة ديمقراطية ودولة قانون تصون الحريات ولديها عدالة ناجزة، وتقوم على الاقتصاد التنافسي، وتوفر أقصى درجات الحماية والعدالة، وفق الخبراء.. فهو يمثل كذلك ميزان العدالة للمستضعفين أو المهمشين – أو من يظنون أنهم كذلك - في بلد لا يخلو من تشعب الآراء بين أطراف المعادلة، التي تشكل وعي الأمة.
الحوار الوطني يضمن الأمر – دون ثغرات للتشكيك – عبر مشاركة واسعة ومتنوعة من تيارات وأحزاب واتجاهات تتنوع من اليمين لليسار، بجانب حقوقيين وخبراء، وهو التنوع الذي يدلل على الرغبة في التوافق حول المستقبل والحاضر، بل رسم خارطة النهوض بجمهورية جديدة هدفها الأول المواطن والوطن.. خارطة يحملها طرفان: الدولة والمؤسسات من جهة، والأفراد والتيارات والتجمعات من جهة ثانية.
ما الضامن الإضافي إذن؟.. الدولة تعبر عن رغبة مسبقة عبر تفعيل وتسهيل عمل لجنة عفو هدفها إخراج المئات من السجن ومتابعة دمجهم في المجتمع، وبعضهم يشارك في الحوار بجلسته الافتتاحية.. هو إذن حوار يضمن التعددية بتمهيد من الدولة ومؤسساتها، لطرف المعادلة الثاني.. بل استباقيا قرأ الجميع لآراء متشعبة مختلفة لعدد كبير من مثقفين وسياسيين نخبويين، متعددي التوجهات تمثل جزءا من الحوار الذي لا يقصي ولا يفرض.
الأمل في حوار مكتمل الأركان، نخرج منه جميعا، رابحين، لا مدانين، أقوياء العزم والحجة، ثابتي الجنان واثقي الخطى، وإن ذلك الأمل لن يخبو حتى تتحقق التمنيات: أمنيات الوطن الذي لا تشتته شائعة ولا تحركه أبواق فتنة، ولا تمسه بسوء أقلام مأجورة، ساقطة في الشتات والجدل فيما بينها، وهدفها في الوقت ذاته أن يدخل الوطن بأكمله في تيه "العذاب" و"الهجر".