محافظة الغربية والذكرى السنوية لـ «سيدة الواتس»
هناك أناس تقلدوا مناصب عامة وتفانوا وأخلصوا في عملهم، وقدموا أروع الأمثلة والدروس الوطنية في الأداء الوظيفي العام، وما زلنا نتذكر سيرتهم العطرة، فهؤلاء يستحقون أن تحفر أسماؤهم بأحرف من نور على لوحات الشرف؛ لتبقى الشاهد على حسهم الوطني ومواقفهم المشرفة.
تلك الكلمات يضعها بعض ممن يتولون منصبا عاما نصب أعينهم طيلة فترة توليهم المسئولية، حيث يعد ذلك من وجهة نظرهم هو الإنجاز الأهم وفيه راحة للضمير، وتخليدا للذكرى الطيبة بدون أي إساءات أو تلميح بفساد.
من هؤلاء الناس الدكتور طارق رحمي، محافظ الغربية، فأنا متابع جيد للرجل منذ أن تولى منصب نائب رئيس جامعة قناة السويس لشئون التعليم والطلاب بين عامي 2015 و2018، ثم منصب رئيس الجامعة إلى أن صدر القرار الجمهوري في نوفمبر2019، بتعيينه محافظا للغربية.
وهنا أصبح مسئولا عن 6 ملايين مواطن بكافة فئاتهم المجتمعية وحدود جغرافية ممتدة على نصف مليون فدان، ومقسمة على 8 مراكز وأربعة أحياء، و53 وحدة محلية، يتبعها 317 قرية و1.066 تابع صغير، وليس كالسابق أثناء وجوده في الجامعة والتي يبلغ تعدادها بالطلاب وأعضاء هيئة التدريب والعاملين ما يقارب النصف مليون مواطن وعلى مساحة 1300 فدان.
منذ 2019، وحتى اللحظة، لا يمكن أن ينكر أحد مجهودات الرجل في تنفيذ المشروعات القومية، وتوجيهات القيادة السياسية في مشروع حياة كريمة، وكذلك المناطق اللوجستية والصناعية، وشبكات الطرق والرصف وما شابه ذلك.
لكن هناك بعض الأخطاء المتكررة والتي لا بد من علاجها قبل فوات الأوان، وحتى يتم استكمال الذكرى الطيبة لدى أهالي محافظة الغربية في لحظة الرحيل.
نبدأ بالحلقة الأهم وهي المواطن، الذي حاول أن يستنجد بشكوته لدى كافة الجهات لكنه اصطدم بواقع مرير ومجاملات لا حصر لها، فيذهب إلى خدمة المواطنين والتي يستقبل بها المواطن أو ترسل الأوراق من شكاوى مجلس الوزراء، تستقبلها خدمة المواطنين وبدلا من التحقيق فيها بجدية تُرسل للجهة التي اختصمها المواطن لتكون هي الخصم والحكم في ذات الوقت، لترد كما تشاء بدون رقيب أو محاسبة، ويرسل الرد للمواطن وعلى وجهه علامات الحسرة والإحباط، فيحاول أن يرسلها كخطاب مسجل على مكتب المحافظ مباشرة لتحول إلى خدمة المواطن ليأتي نفس الرد دون أي تحقيق أو محاسبة أو استدعاء لسماع المواطن.
ويضاف إلى ذلك عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين الذي يتظلمون لدى مكتب المحافظ من المحليات والمديريات المختلفة من الجزاءات الخصومات التي تقع عليهم من رؤسائهم بالأمر المباشر دون تحقيق أو استدعاء، ويرسلها الموظف إلى مكتب المحافظ، ومن الممكن إرسال أوراق فيها بتواريخ قديمة لكنها كتبت حديثا لمحاولة تبرأة نفسه، وهناك عدة قضايا أمام المحاكم!، وتحول بنفس طريقة المواطن، لأنهم علموا أنه لا أحد سيراجع ردودهم أو سيحاسبهم على أخطائهم فتمرسوا وتمادوا في ذلك، حتى إدارة الحوكمة، لم تفرق كثيرا عن خدمة المواطنين بنفس الآليات والمجاملات!
وعندما تغلق كافة الأبواب أمام والمواطن والموظف ويبدأ بإخراج الضغط الذي على عاتقه ويستغيث بالمحافظ على شبكات التواصل الاجتماعي، هنا تبدأ نيران الجحيم والتكدير سواء بوقف طلبات المواطن أو النقل التعسفي للموظف ومجازاته وتحويله المستمر للشئون القانونية وإجباره إما على الاستقالة أو الانقطاع، وهناك الآلاف من الشكاوى في خدمة المواطنين تحتاج لمن يقرأها ويطلع عليها.
وهناك الكثير من المآسي في التأشيرات لنفس المواطن في الاتصال السياسي لو سلمها لاثنين من النواب، أحدهما سلمها للاتصال السياسي وحصل على تأشيرة جبر خاطر، ونائب آخر سلمها للمحافظ شخصيا وقرأها وحصل المواطن على تأشيرة أعادت له حقه، فشتان الفارق!
حادثة السيدة التي أرسلت عبر “واتس آب” المحافظ الشخصي، وقيل حينها إنها فيها سباب، وتم القبض على السيدة وابنها وتحويلها للمحاكمة، في حينها تخيلت أن محافظ الغربية سيشكل لجنة ليست من المحافظة حتى لا تحدث مجاملات للتقرير عندما يُكتب، وبعيدا عن تحقيقات النيابة، أن يجلسوا ويستمعوا للسيدة وينصتوا إليها، لماذا أرسلت الرسائل؟ وفي حينها اكتشفت أن ما أوصلها لذلك أنها لا تستطيع أن تحصل على حق من حقوقها لدى أي جهة في المحافظة، وأنهم أغلقوا كافة الأبواب في وجهها حتى باب المحافظة لذلك أخرجت ما بداخلها على الواتس.
تخيلت لو حدث ذلك، واستمع وتنازل المحافظ عن شكواه الرسمية، واستقبل السيدة في المحافظة واتخذ حينها خطوات جادة وعاجلة بإعادة هيكلة خدمة المواطنين وأن يكون الباب مفتوحا بينه وبين المواطنين ليس به حاجب أو حارس للبوابة، وأذكر المحافظ أن هناك هناك العشرات ممن قدموا له شكاوى وطلبات وسلمها لمرافقيه في جولاته، وعندما تذكر تلك الطلبات، أبلغوه أنها سلموها الى “المقبرة”.. قصدي إلى خدمة المواطنين!
وأخيرا حتى لا أطيل عليكم، هل لاحظ المحافظ أن معظم الطيور المهاجرة من القطاع الطبي والذين أبهروا العالم بعضهم من محافظة الغربية؟ هل حدث أن نمى إلى علم سيادتكم الاتصال بهم وسؤالهم لماذا تركتم وطنكم؟، فالمسألة ليست مادية، المسألة هي التكريم المعنوي، والترقي والوصول إلى المناصب، لكنهم يفاجئوا أن المناصب الصحية دائما قائم بالأعمال، ويأتي بالأمر المباشر ويجدد له عاما بعد عام هناك البعض يجتهد والبعض الآخر فشل في القيادة، وعندما يتقدم الطير المهاجر المكافح الحاصل على الشهادات العلمية المؤهلة لذلك ولديهم الفكر، يقابلوا بسيل من التكدير والتعسف الوظيفي الذي يجبرهم على الهجرة، عن طريق تقديم الإجازات أو الانقطاع عن العمل أو الاستقالة، فهل في يوم طلبتم أعداد الحاصلين على إجازات أو المستقيلين أو المنقطعين عن العمل وسؤالهم؟!
ما عرضه الإعلامي خيري رمضان في برنامجه حديث القاهرة المذاع على قناة القاهرة والناس، خلال الشهر الماضي عن كارثة بمركز طبي بمركز المحلة، والرد المرسل من جانبكم أن هذا غير صحيح وأن الأوراق تقول غير ذلك، أقول لسيادتكم إن الأوراق أمام الفيديو، فهنا الفيديو ينتصر فهو الحقيقة الصادقة، فلا بد حينها من التأكد والاعتذار عن الخطأ وإصلاحه ومحاسبة المخطئ وليس إرسال أوراق دون التحقق من أرض الواقع!
أتمنى أن تكون تلك بداية حقيقة للتحقيق الفعلي في كافة الشكاوى، وألا يتم مجاملة أحد على حساب أحد، وأن تشكل لجنة برئاستكم لاختيار القيادات في كافة المديريات والمحليات، سواء مسابقات أو قائم بالأعمال وأن يقدم ما يفيد بأنه جدير بذلك المنصب من خلال برنامج عمل مكتوب وتقيمه اللجنة ويحاسب في نهاية مشواره محدد المددة، ويتم فتح الباب أمام آخرين وليس أن يظل في منصبه إلى سن المعاش!
هل سيقرأ محافظ الغربية ذلك.. أتمنى ذلك، وأتمنى أن تكون هناك نقط تحول جادة ويتركها المحافظ ذكرى لأهالي محافظة الغربية قبل أن يأتي وقت الرحيل، وأن يحاول جاهدا أن يغير الصورة التي صدرها بعض العاملين بديوان المحافظة، بأن الغربية عبارة عن طنطا فقط، وهو انطباع وصورة ذهنية مستمدة من كل ما يصدر عن المحافظة على منصات التواصل الاجتماعي ودعمها وراعاها البعض.