إعدام محمد عادل.. صفعة لكل المشوهين في الأرض
"دُنيا مُقـبلةٌ بزخَارفِها، وإنسانٌ مُتكالبٌ على مَفاتِنها، ماديةٌ سَيطرَت، فاستلبَت العُقولَ وصارَ الإنسانُ آلة، يقينٌ غابَ، وباطلٌ بالـزَّيف يَحيَا، وتَــفاهاتٌ بالجَهر تَتــواتَــر، وبَيتٌ غابَ لسببٍ أو لآخر والمؤنسِاتُ الغالياتُ صِرن في نظر المَوتُورينَ سِلعة، والقواريرُ فَـواخــير ونَــفـسٌ تَــدثـَـرت بــرداءِ حُــبٍ زائفٍ مَكذوب. تأثرت بثقافةِ عَـصر اختَـلطت فيه المَفاهيمُ.. الـرغبةُ صَارت حُبًا، والقتلُ لأجلهِ انتصارًا، والانتقامٌ شَجاعةً، والجُرأةَ على قِـيَم المُجتمع وفُحشِ القَـولِ والعلاقاتُ المُحـرَّمةُ، تُسمَّى حُـريةً مَكفولة ومن هذا الرَّحم وُلدَ جَنينًا مُشوَهًا.. وَقُـودُ الأمَّةِ صارَ حَطبَها وباتَ النشءُ ضَحيةَ قُــدوةٍ مُشوهة، وثقافاتٍ، مَسمُوعةٍ ومَرئيٍّةٍ ومقروءة، هذا هو حالُها ومن فَــرْطِ شُــيوعــهِ، واعتباره من قبلِ كثيرين كشفًا لواقع، زُيِّـنَ لهم فَـرأَوهُ حَسنًا، فكان جُـرمِ اليوم له نِتاجَا.. أفَـَـتــذهبُ نَـفسُنا عليهم حسَـرات.. ؟! إنَّ هذا الخَـللَ، إنْ لم نأخذ على أيدي المَوتورينَ ومُروِّجيهِ؛ استفحَـلَ ضَرَرُه، وعَـزَّ اتقاءُ شَـرِّه، واتسَع الـرَّتقُ على الـراتق".
هذه الكلمات الوثيقات.. والدرر التي أطلقها في صورة صيحة للمجتمع القاضي الجليل المستشار بهاء المري رئيس محكمة جنايات المنصورة، لإيقاظ المجتمع من غفلته في كلمته الشهيرة قبيل النطق بالحكم على إعدام محمد عادل قاتل طالبة المنصورة نيرة أشرف وإحالة أوراقه إلى فضيلة المفتي.
القاضي في نصيحته للمجتمع قال: يَا كُلَّ فِـئاتِ المُجتمعِ لا بُـدَّ مِن وَقفَـة- يا كُلَّ مَن يَقْـدرُ على فِعلِ شَيءٍ هَلُمُوا.. اِعقدوا مَحكمةَ صُلحٍ كُبرَى بين قُـوَى الإنسانِ المُتابينةْ، لنُنَـمِّيَ فيهِ أجـملَ ما فيه.. أعيدُوا النَشءَ المُلتوي إلى حَظيرةِ الإنسانية.. عَلِموهُم أنَّ الحبَّ قَـرينُ السلامْ، قَـرينُ السَكينةِ والأمانْ، لا يَجتمعُ أبدًا بالقتلِ وسَفكِ الدماء.. إنَّ الحبَّ ريحٌ من الجَنةِ، وليس وَهَجًأ من الجَحيم.. لا تُشوهوا القُــدوةَ في مَعناها فـتَنحلَّ الأخلاق عَظِمُوها تَنهضُ الأمَّة.. هكذا يكونُ التناولَ، بالتربيةِ، بالموعظةِ الحَسنَةِ، بالثقافةِ، بالفَـنِون، بمنهجٍ تكونُ الوَسَطَيةُ وسيلتَه، والتَسامُحُ صِفتَه، والـرُشدُ غايَتَه ".
نصيحة القاضي الجليل كما كانت للمجتمع كلها ووجهها للآباء والأمهات كدستور لتصحيح المفاهيم وتربية النشء: لا تُضيِّعوا من تَعُــولون صَاحِبُوهم، ناقِـشُوهُم، غُوصُوا في تفكيرهم.. لا تتركُوهُم لأوهامِهم. اغــرسُــوا فيهم القِـيَم..
وإلى القاتلِ قال القاضي: جـئتَ بفعلٍ خَسيس هــزَّ أرضًا طيبةً أَسَرَت لويس.. أَهــرَقتَ دَمًا طاهرًا بطعَـناتِ غَـدرٍ جَـريئة.. ذبَحتَ الإنسانيةَ كلها، يومَ أنْ ذبَحَتَ ضَحيةً بريئة.. إنَّ مَثَـلَكَ كمَثلِ نَـبتٍ سامٍ في أرضٍ طيبة.. كُلما عَاجَـلَـهُ القَطعُ قبلَ أن يَمتـدَ، كان خيرًا للناسِ وللأرضِ التي نَـبتَ فيها.
دستور للحياة وللناس.. نصائح لو عظمها المجتمع لتفادى الأخطاء والأخطار.. وثيقة إنسانية للحماية من النفس والشيطان.. قدمتها المحكمة في جلستها يوم الأربعاء 28 يونيو من العام الماضي، قبل أن تقضي بإرسال أوراقِ القضيةِ إلى فضيلةِ مفتي الجمهورية، لأخذ الرأي في إنزالِ عقوبة الإعدام بالمتهم.
حالة ارتياح كبيرة في المجتمع المصري والعربي سادت بعد تنفيذ عقوبة الإعدام على القاتل.. فبينما مرت القضية بمحاولات للي ذراع القضية وقبله حاولت التشويش وتشويه الإنسانية بكل معانيها.. وآخرون تولوا الدفاع عن القاتل أمام المجتمع محاولين تبرير فعلته وساقوا أدلة وبراهين لإنقاذه وغسل سمعته.. تناسوا القتل الذي حدث أمام مسمع ومرأى العالم كله.. تجاهلوا الإنسانية إما لشهرة أو أغراض مادية وأبحروا ضد تيار الإنسانية.
حكم أثلج صدور قوم عاقلين.. قبل أن يُريح أسرة القتيلة.. قضاء عادل وناجز جل ما تصبوا إليه الدولة المصرية ومواطنيها.. قرار لو تعلمون عظيم أعاد الواقعة لسيرتها الأولى ووضعها في مسارها الصحيح " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ".