كيف ساهم برنامج مبادلة الديون المصرية في تخفيف عبء المديونية والانتقال للاقتصاد الأخضر؟
بدأ مفهوم مبادلة الديون أو مقايضة الديون في ثمانينيات القرن الماضي نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية في ذلك الوقت، وكانت تشيلي أولى الدول التي استخدمت آلية مبادلة الديون بالأصول/ الأسهم في 1985 تلا ذلك ظهور مبادلة الديون من أجل الطبيعة (سميت بعد ذلك بمبادلة الديون للبيئة).
واستفادت بوليفيا من أول تجربة لتلك الآلية في 1987، تلتها كوستاريكا والإكوادور ولم تساعد تلك الآلية على مدار التاريخ في تقليل عبء الديون على الدول النامية، لكنها ساهمت في تنفيذ بعض المشروعات التنموية الهامة في الدول التي لجأت إليها.
تعمل برامج مبادلة الديون من أجل التنمية حاليًّا، وفقًا لآلية تسمح باستخدام مقابل الديون بالعملة المحلية، في تمويل مشروعات تنموية تتفق عليها الدولة المدينة طبقًا لخطط مسبقة مع الدولة الدائنة واتفاقيات حوكمة.
وتروج مؤخرًا المؤسسات الدولية للاستفادة من تلك الآلية لتجنب حدوث أزمات اقتصادية كبرى في البلدان المعرضة للتعثر في دفع فوائد وأقساط الديون، نتيجة الأزمات الدولية المتلاحقة، بالإضافة إلى التشجيع على الانتقال للاقتصاد الأخضر (التحول نحو اقتصاد مستدام لا يعتمد على الوقود الأحفوري والاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية) والحماية من التقلبات المناخية وتتم مبادلة الديون بين الدول كاتفاقات ثنائية، ولا تنطبق على الحالات التي تكون فيها المؤسسات الدولية هي الطرف الدائن.
تاريخ مصر مع مبادلة الديون من أجل التنمية
ووفق مركز حلول للسياسات البديلة التابع لـ الجامعة الأمريكية بالقاهرة بدأت مصر في استخدام آلية مبادلة الديون للتنمية منذ 2001 مع إيطاليا، وصلت قيمتها الإجمالية إلى 350 مليون دولار، فى مجالات الأمن الغذائي والزراعة والمجتمع المدني، ومعالجة مياه الصرف الصحي. وهي الآلية التي نفذت من خلال برنامج مشترك بين البلدين مرَّ بثلاث مراحل، تسعى مصر حاليًّا إلى الاتفاق على إجراءات المرحلة الرابعة منه.
وأعلنت السفارة الألمانية بالقاهرة الشهر الماضي، عن توقيع اتفاقية مبادلة ديون مع وزارتي التعاون الدولي والكهرباء والطاقة المتجددة، بالإضافة إلى البنك المركزي المصري، يتم من خلالها إعفاء مصر من سداد ديون بقيمة 54 مليون يورو وذلك مقابل استخدام مصر للمقابل المحلي لتلك الأموال في تمويل مشروع ربط مزرعتي رياح بطاقة 500 ميجاوات بشبكة نقل الكهرباء، تساهم في رفع إنتاج مصادر الطاقة الكهربائية المتجددة، لتصل إلى 42% بحلول 2030.
وتتزامن تلك الخطوة مع دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى الدول والمؤسسات التمويلية الكبرى إلى تبني قرارات تتفادى حدوث أزمات ديون كبرى، من خلال استحداث آليات مستدامة، كالتوسع في مبادلة الديون من أجل الحفاظ على البيئة، وهي التصريحات التي أطلقها خلال مشاركته في قمة ميثاق التمويل العالمي الجديد في باريس في منتصف يونيو.
وتعد الاتفاقية مع ألمانيا ليست الأولى من نوعها أيضًا، حيث بدأت برامج مبادلة الديون بين البلدين عام 2011 بالاتفاق على استبدال سداد ديون بقيمة 240 مليون يورو لألمانيا مقابل تمويل مشروعات تنموية في مصر. وانتهت المرحلة الأولى بقيمة 70 مليون يورو بدعم مشروعات خاصة بالتغذية المدرسية وتحسين جودة التعليم وإعادة تأهيل المحطات الكهربائية، بينما تركز المرحلة الثانية القائمة حاليًّا (بقيمة 80 مليون يورو) في دعم مشاريع تعليمية وتنموية ومشاريع الطاقة النظيفة. وكانت وزارة التعاون الدولي قد أعلنت في يوليو 2021 عن مبادلة ديون بقيمة 41 مليون يورو مع بنك التعمير الألماني لتنفيذ مبادرة التعليم الفني الشامل في مصر.
وإضافة إلى تخفيف عبء الديون، تكتسب تلك البرامج أهمية توفير فرص عمل، ما يساهم في رفع معدلات النمو وزيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد المحلي.
جدوى برامج مبادلات الديون: هل تساعد المناخ؟
قد تساعد آلية مبادلات الديون على الحد من فجوة التمويل المناخي، وهو الفرق بين الاحتياجات المالية لإدارة آثار التغير المناخي والموارد المتاحة، حيث في إمكانها توفير 104.5 مليار دولار لسد تلك الفجوة لدى الدول النامية.
وكانت الدول المتقدمة قد تعهدت كجزء من اتفاقية باريس للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بتقديم تمويل سنوي بقيمة 100 مليار دولار إلى نظرائها النامين، الأمر الذي فشلت في الوفاء به باستمرار.
ولم تتجاوز إجمالي مبادلات الديون منذ عام 1987 الـ3.7 مليار دولار مع ملاحظة أن المشروعات الموجهة إلى البيئة والمناخ لا تتعدى نصف هذه القيمة، ويظل هذا الرقم شديد البعد عن إجمالي ديون الدول الفقيرة التي تصل الى الـ200 مليار دولار بحسب بعض التقديرات.
وترى بعض التقارير المختصة أن محاولة سد فجوة التمويل المناخي عن طريق مبادلة الديون غير واقعية، لأن مشاريع تلك البرامج عادةً ما تكون صغيرة بالإضافة إلى ذلك، لا يتعدى إجمالي الانبعاثات البيئية الضارة لـ37 من الدول التي تعاني أزمات ديون نسبة الـ0.5%، ما يعني أن المشاريع البيئية في هذه الدول لن تفعل الكثير للحد من الانبعاثات العالمية، حتى وإن تمكنت من تمويل بعض مشاريع التكيف مع التغير المناخي.