عبد الناصر رئيسا للجمهورية
تقوم الشعوب بالثورة من أجل التغيير، ودائما ما تحمل الثورة في طياتها هدفا واضحا يتجمع الشعب حوله ويسعى إلى تحقيقه.
فعندما قامت الثورة الروسية 1917 كانت ملتزمة بالفكر الاشتراكي، والثورة الفرنسية اهتمت بالبرجوازية، وهدفت ثورة 1919 إلى إقامة الديمقراطية والحياة الليبرالية.
أما حركة الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952 ليست ثورة تقدمية كما يقول أنصارها، إنما كانت حركة ناصرية لم تنتمِ إلى أيدلوجية واضحة، وإنما سعت إلى انتقاء ما يتوافق مع طموحاتها وما يضمن بقائها في السلطة.
أما المبادىء الستة التي أعلنتها وتجمع حولها الشعب إلى أي مدى تحققت.
ولكن دعونا في مقالنا الثالث نعرض بعض الأسئلة ونبحث عن أجوبة لها.
دعونا نقر بأن الضباط عندما رحل الملك هل فكروا فى الخطوة القادمة؟
وهل تأييد الشعب لحركتهم جعلهم يفكرون في عدم العودة إلى ثكناتهم وعدم تسليم البلاد إلى الأحزاب؟
لاشك أن علي ماهر والسنهوري وسليمان حافظ كانوا سببا رئيسيا في بقائهم وكره الأخريين للوفد جعلهم يقفون عائقا في عودة الحياة الطبيعية مرة أخرى، ففى وجود مجلس وصاية على العرش تم تشكيل حكومة وعلى الضفة الأخرى مجلس قيادة الثورة الذى بيديه كل القرارات وإليه تنتهى كل الأمور ولا دور للحكومة إلا ما يملى عليها.
كان عليهم اتخاذ خطوة لكسب رضا الشعب فكان قانون الإصلاح الزراعى والذي اعترض عليه كثيرون خوفا من تفتيت الملكية الزراعية وطلبوا بفرض ضرائب جديدة عوضا عن تنفيذه، لكن كان القرار ونفذ القانون تحت قيادة جمال سالم ومن بعده سيد مرعي.
ثم مصادرة أموال أسرة محمد على وكل ممتلكات الملك والتصرف في بعضها بالبيع، مع أهميتها وقيمتها التاريخية.
أنشئت محاكم خاصة بعيدة عن القضاء الطبيعي وأصدرت أحكاما رادعة، ولم تعرف الرأفة من أجل أن تصل رسالة الردع لكل من يحاول أن يتآمر على الثورة والعهد الجديد.
تم تأميم الصحافة وإنشاء منابر جديدة لتعبر عن وجهة نظرهم وظهر الرقيب وظلوا تحت ناظرية كل ما يكتب وكل ما يذاع.
احتل الضباط الصغار المناصب القيادية والتنفيذية وتم إقصاء أصحاب الكفاءات والمؤهلين للقيادة وهم أنفسهم كانوا بلا خبرة.
عندما أُلغيت الملكية وأُعلنت الجمهورية كان محمد نجيب أول رئيس للجمهورية وكان محبوبا جدا من الشعب لشخصيته الودودة وتاريخه العسكري المشرف وأنه قبل قيادة الحركة وحمل كفنه على يديه، ففي حالة فشلها سيكون متهما بالخيانة ويكون نصيبه الإعدام، ورغم ذلك قبل بدون تردد، لكن سرعان ما كانت النزعات والخلافات بينه وبين مجلس القيادة والذى كان يجتمع بدونه ووضع عينا عليه تراقب كل سكناته، وعندما استقال خرجت الجماهير تطالب بعودته وتعلن لا رئيس إلا نجيب وعادوا به مضطرين لممارسة كل سلطاته.
لكنهم عادوا الكرة مرة أخرى وتجنوا عليه وأشاعوا للضباط أنه يتعاون مع أحزاب العهد السابق والإخوان للانفراد بالسلطة.
لم يكن عبدالناصر معروفًا لكن حادث المنشية بالإسكندرية ومحاولة اغتياله التي تعاطف فيها الشعب معه جدا، والتي اتهم فيها الإخوان بالتواطؤ مع نجيب الذي اتهم زورا فيها، ثم الإطاحة بنجيب للمرة الأخيرة واعتقاله ومعاملته معاملة قاسية، وكذلك بداية معركة مريرة مع الإخوان.
انتصر عبدالناصر في أزمة مارس، وطوى صفحة نجيب ومعه الإخوان، وشكلت محكمة الشعب، وقاموا بحملة اعتقالات كبيرة للإخوان، الذين انحازوا من قبل إلى عبدالناصر في أزمة مارس وهتفوا ضد الديمقراطية والأحزاب من أجل مصالحهم.
اتفاقية الجلاء والتوقيع عليها فى 15 أكتوبر 1954، جعلت من عبدالناصر بطلا قوميا فأحبه المصريون وعرفه العالم أيضا وكتب لمصر جلاء آخر جندي إنجليزى في 18 يونيو 1956 ويعتبر هذا اليوم هو عيد الجلاء أو عيد الجمهورية.
كان وجود مجلس قيادة الثورة يشكل عائقا لتطلعات عبدالناصر، وخلافات في الجيش مثل أزمة سلاح الفرسان وإضراب المدفعية وغيرها من الأزمات التي كانت تؤرقهم فكان السؤال من اختار مجلس قيادة الثورة ؟
فكان يتم إبعاد البعض بالتعيين وزراء حتى يكونوا خارج المجلس فكان يوسف صديق أول المبعدين ومن بعده خالد محيي الدين ولحق بهم صلاح سالم 31 أغسطس 1955 بعد فشل ملف السودان والذي كان من ضمن أسباب فشله هو التعامل السيء الذي لحق بمحمد نجيب وقتها فقرر السودان الانفصال عن مصر وفشلت الثورة في الحفاظ على مصر والسودان في وحدة واحدة.
ومن قبلها تم حل الأحزاب بعد أن طلب منها تطهير نفسها بنفسها، ولكن فى النهاية ألغيت الأحزاب وعوضا عنها تم تشكيل هيئة التحرير ومن بعدها الاتحاد القومي وصولا إلى الاتحاد الاشتراكي ووئدت الحياة الحزبية في مصر.
وتم حل مجلس قيادة الثورة 1956 وتم الاستفتاء على الدستور وعبدالناصر وصوت الشعب وكانت النتيجة 100% بعد التصويت، وهكذا أصبح عبدالناصر رئيسا للجمهورية وسطع نجمه في الآفاق بعد أن حلف اليمين الدستورية، وقد أعطاه دستور 56 صلاحيات مطلقة.
من أهم مشاريع تلك الفترة السد العالي والفوائد العظيمة التي عادت على مصر، من بعد إقامته وحتى يومنا هذا.
وبقيت فكرة تمويل السد العامل المهم بعد أن رفضت الولايات المتحدة الأمريكية، فكر عبدالناصر فى تأميم قناة السويس وأعلن تأميمها شركة مساهمة مصرية.
وما حدث بعد تأميم القناة عدوان ثلاثى من فرنسا وبريطانيا وإسرائيل وحدث هجوم على مصر، وبدأت المقاومة الشعبية التى كان لها دور كبير وتدل على معدن المصريين الغالى والنفيس.
وتصحيح المفاهيم المغلوطة لدى الشعب البريطانى والفرنسى كان له أثر كبير على الداخل الفرنسى والبريطانى فتعاطفوا مع مصر، وطار مصطفى أمين ومعه صور التدمير لمدن القناة ليعرضها فى البرلمان الإنجليزى ليؤكد كذب قادتهم وأن ما يحدث فى مصر عدوان.
دور الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية فى الضغط على أرباب العدوان فى الانسحاب، والذى انتهى بموافقة مصر على مرور البضائع الإسرائيلية فى سفن غير إسرائيلية، وقتح خليج العقبة، ووضع قوات من هيئة الأمم المتحدة فى الضفة الغربية لسيناء وقبلت مصر وانتهى العدوان.
صنعت حرب 1956 من عبدالناصر بطلا قوميا ومصريا وعربيا وشخصية عالمية كبرى، ولكنه خلف أزمة كبرى بينه وبين عبدالحكيم عامر بسبب حالة الجيش والطيران وكانت بداية الخلاف والذي لم يسعى عبدالناصر لمعالجته وإعادة ترتيب الجيش والذى سندفع ثمنه غاليا بعد ذلك فى حرب 1967.
قام عبدالناصر بعملية تأميم الشركات الأجنبية وتمصيرها والخطأ الأكبر من وجهة نظرى هو تأميم الشركات المصرية وسلبها من أصحابها وهى كانت ناجحة، صحيح تم تعيين عزيز أباظة مسئولا عن ملف الصناعة وقتها وأنشئت مصانع كثيرة مثل الحديد والصلب وغيرها ولكن فكرة التأميم وهجرة اليهود المصريين والأجانب ومن كانوا يحملون الجنسية المصرية منهم كانت من الأخطاء الكبرى.
دخل عبدالناصر عهدا جديدا رأى فيه زعيما للعرب وإفريقيا وساعد كل حركات التحرر فيهما حتى طلب منه السوريون الوحدة الذى وقع صداها على إسرائيل كبير، كما أن كل الدول الكبرى الاستعمارية مثل فرنسا وإنجلترا ناصبته العداء لمساعدته الدول المحتلة على الحصول على حريتها واستقلالها.
وتم الاستفتاء فى 21 فبراير 1959 وانتخب عبدالناصر رئيسا للجمهورية العربية المتحدة وتم تغيير العلم والسلام الجمهوري، وللأسف كان عمر الوحدة قصير فلم يفهم عبدالناصر طبيعة الشعب السورى وأن القرارات الاشتراكية التى طبقها فى مصر من التأميم أو الإصلاح الزراعى والمصادرة لا تصلح مع السوريين، فطبيعة السوريين أنهم تجار وأحرار فى ملكياتهم وأنهم ليسوا إقطاعيين أغضبتهم برغم الحب الجارف الذى قابلوه به وقت إعلان الوحدة.
كذلك تصرفات عبدالحكيم عامر المستهترة فى سوريا وانقلاب مدير مكتبه عبدالكريم النحلاوى ضده، فتم القبض على عامر وترحيله إلى مصر بشكل مهين.
تصرفاتهم مع عبدالحميد السراج الذى كان مسيطرا سيطرة كاملة على سوريا،وهو الذى كسب ود عبدالناصر وأوشى له بمؤامرة ملك السعودية لرشوته ليقتل عبدالناصر وقدم له شيك الرشوة.
فشل الوحدة مع سوريا أوجع عبدالناصر جدا، وعاد عامر ليكتب استقالة مسببة وأنه يطالب عبدالناصر بالديمقراطية وفشل ناصر للمرة الثانية في معالجة الأمر، لأن عامر سيطر على الجيش سيطرة كاملة ولا يقبل بتدخلات عبدالناصر أو المجلس الرئاسي الذى اقترحه عبدالناصر لأن يتم الاستعانة بأفراد تقنيين فنيين قادرين على الإدراة ليس فى الجيش فحسب بل فى كل الأماكن التنفيذية وقوبل طلبه بالرفض من جهة المشير، وزاد البعد والاحتقان بينهما وانفرد عامر بالجيش وأصبح ناصر بعيدا جدا.
ونستكمل في الحلقة الرابعة..