حلول المصريين في الخارج
بين الحين والآخر، يطل علينا مسئول حكومي أو شخصية عامة بمقترح يخص التعامل مع المصريين في الخارج -أموالهم تحديدا-، من منطلق تعظيم دورهم في دعم الاقتصاد المصري بزيادة تحويلاتهم من خلال البنوك الرسمية أو زيادة استثماراتهم في الداخل المصري، كآليات لزيادة العملة الأجنبية ومواجهة نقص السيولة الدولارية التي تربك الاقتصاد حاليا.
وفي الوقت الذي تحظى به بعض المقترحات والآليات بنوع من الوجاهة والتقدير من جانب المصريين في الخارج كمبادرة استيراد السيارات أو تسهيلات إدخال الذهب أو حتى التسهيلات البنكية الأخيرة، إلا أن أغلب الأطروحات الأخرى يسيطر عليها فكر الاستفادة المطلقة وغير المبررة، بما يعكس الجهل بطبيعة العلاقة المفترضة بين الدولة ومواطنيها في الخارج.
البداية كانت مع وكيل مجلس الشيوخ، الذي هداه تفكيره إلى المطالبة برسم إجباري على المصريين بالخارج، مطالبا بتنظيم قانوني لحصول الدولة على نسبة مئوية لما يحصل عليه المصريون في الخارج على سند من أنه حقها.. فهي من قامت بتنشأته وتعليمه وتربيته!
يبدو أن سيادة النائب الذي تحدث سابقا عن أن المواطن يستطيع أن يعيش يومه بـ 5 جنيهات، توسم رجاحة فكرة فرض رسوم على المصريين في الخارج، متجاهلا صدى هذه الفكرة غير المعقولة في إحداث حالة خوف عند المصريين في الخارج تدفعهم إلى محاولة البعد عن التعامل مع المنظومة البنكية في تحويل أموالهم، ناهيك عن استحالة تطبيقها من أساسه.
ثم جاء دور أحد أعضاء مجلس النواب ومقرر لجنة في الحوار الوطني، الذي اقترح إلزام العاملين بالخارج بتحويل 50% من قيمة أجورهم عبر البنوك والطرق الشرعية، وحصول مكتب العمل في مصر على نسخة ضوئية من عقود العمل بين العامل المصري وجهة العمل الخارجية.
فبعيدا عن السطحية في هذه المقترحات من ناحية استحالة تطبيقها في ظل عدم وجود أي آلية ممكنة لإجبار الشركات في الدول الأخرى على الكشف عن رواتب المصريين فيها، وأيضا عدم القدرة على تنفيذه على جميع العاملين في الخارج، فإن هذا المقترح غير دستوري من أساسه مع حرية تصرف الأفراد في أموالهم الخاصة.
وأخيرا جاء حديث معتدل بعض الشيء لوزير المالية خلال مؤتمر للمصريين في الخارج، معلنا التطلع لزيادة مساهمات المستثمرين من أبنائنا بالخارج فى مسيرة التعافي الاقتصادي، ومسار التنمية الشاملة والمستدامة، والاستفادة من المزايا التفضيلية للاستثمار، فهذا أمر لا بأس منه لو كان هناك ما يحقق منفعة مشتركة للجميع.
لا يخفى على الجميع أن هناك أزمة في الآونة الأخيرة تخص السيولة الدولارية، أحد أعراضها وليس سببها هو انخفاض تحويلات المصريين بالخارج، حيث يُفقد هذا التراجع خزينة الدولة أحد روافد النقد الأجنبي الهامة التي لا غنى عنها في تدبير احتياجات العملة الصعبة للبلاد.
ولكن يظل ضعف تحويلات المصريين في الخارج والتي تهاوت بنسبة 25% عرضا للمشكلة وليس المشكلة ذاتها، فالسبب الرئيسي لا يرجع إلى المصريين في الخارج ذاتهم على الإطلاق، ولكن إلى وجود سعرين للدولار مما ينمي حالة من النفور من التعامل مع القتوات الاعتيادية وتوجه البعض نحو عدم التعامل مع البنوك.
وحل هذه الإشكالية بشكل مباشر وأوحد هو إنهاء فكرة وجود فارق بين سعر الدولار في البنوك ونظيره في السوق الموازي وتبني سعر مرن للدولار، وهذا الأمر ليس ضروريا لإعادة مسار تحويلات المصريين في الخارج فقط، ولكن لإنقاذ حالة الاقتصاد برمته، وهو ما يجمع عليه كافة خبراء الاقتصاد والمؤسسات الدولية.
وقبل ذلك، فهناك حاجة ماسة إلى إعادة التفكير في كيفية تشكيل العلاقة بين الدولة والمصريين في الخارج وكيفية النظر إلى أموالهم ومدخراتهم، فهم ليسوا ملكية عامة ولا يجب أن يمثلوا الحل السهل السائغ دائما للتعاطي معه بمقترحات "لوذعية" تصيب الجموع بالقلق مع عدم قابليتها للتطبيق بالأساس.
فلا يجب أن ننسى أن عليهم التزامات معيشية وتكاليف إقامة وفواتير ترهق أغلبهم، بما يجب أن ينعكس على مقترحات التعامل معهم، في حين أن الحديث عما يمس شأن المصريين في الخارج بغير دراية كاملة قد يحدث مباشرة نوعا من زيادة الأزمة، ويخلق مساحة عدم ثقة وبلبلة بلا داع؛ فتتأزم الأمور عن غير سند من الحقيقة.