الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

صاحب المقام

الثلاثاء 05/سبتمبر/2023 - 10:59 م

تنتشر أضرحة كثير من أولياء الله الصالحين، وآل البيت في ربوع مصر، ويتبرك بها الكثيرون إيمانا بصالحهم وزهدهم وتقواهم، وتزداد محبة المصريين لكل آل البيت النبوي الشريف، ومن شدة حبنا لهم تم إطلاق اسم السيدة زينب على الحي والميدان الذي يقع فيه مقامها الشريف، وكذلك سيدنا الحسين بن علي، والسيدة عائشة وغيرهم من البيت الشريف وامتداده، فهناك أضرحة لها مكانة خاصة في نفوس المصريين ويتوافد على زيارتها كثير من المريدين من الدول العربية أثناء الاحتفالات بالليالي التي تقام احتفالا بمولدهم كالسيدة نفيسة، والسيد أحمد البدوي بطنطا، وسيدي إبراهيم الدسوقي، وأبو الحسن الشاذلي في البحر الأحمر وغيرهم كثيرون من المعروفين والمشهورين بالصلاح والتقوى.

وقد اطلعت باستمتاع شديد على موسوعة مساجد مصر وأوليائها الصالحين، والتي تقع في خمسة أجزاء للدكتورة سعاد محمد ماهر، وتعرفت عن قرب على أشهر مساجد مصر وأضرحة أوليائها ونبذة عن سيرتهم الذاتية.

ولكنني اعترف أنني زرت بعض الأضرحة ليس للتبرك أو التقرب من الله، لأن الله قريب من عباده ولا يحتاج إلى وسيط إنما زيارتهم كانت محبة، وحضرت كثيرا من الليالي التي أقيمت في مولد سيدنا الحسين، والسيدة زينب رضي الله عنهما.

وسبب كتابة ذلك الحدث هو أننا في هذا الأسبوع نحتفل في قريتنا بمولد سيدنا الجلالي، ونحن صغار كانت أيام المولد الثلاثة وما يسبق تلك الليالي أيام للعب واللهو والسهر في الحضرة، حيث كنا نقيم أمام بيتنا وقبل يوم المولد حضرة يحضرها الكثير من أهل القرية والمريدين الذين جاءوا من كل صوب لحضور المولد.

وأننا ننتمى للطريقة العنانية، وحملت راياتها حول الشيوخ السائرين في دروب القرية، وحملت السيف ووقفت في الصفوف كأنني خالد بن الوليد، أتطوح يمينا وشمالا متباهيا بالفرصة التي جعلت الصغير كبيرا.

وأتذكر عندما يأتي الشيخ عبد الفتاح العناني ويمر في شوارع القرية ومحاط بمريديه ووسط زحام شديد، ثم يدخل فجأة أحد البيوت ليسلم على أهل البيت ويتفقد أحوالهم، ويسرع الجميع ليقبلوا يديه ويمسح على رؤوسهم، ويتمتم بكلمات غير مفهومة، ثم يطلب الماء وينفثه من فمه في وجوههم، ويتسارع الأطفال ليحظوا بهذا الرزاز الذي يخرج من فمه للبركة التي تنالهم.

كنت أشاهد تلك المشاهد ولا اتحرك، لكنني أتعجب من تلك الأفعال الغريبة، وتسابق النسوة كبارا وصغار وكذلك الرجال ليحظوا بلمسه من يد الشيخ المبارك.

كنا نتهمه بالدجل وأن ما يحدث هو نوع من العبث، لكن الحالة الروحانية التي يعيشها القرويون أثناء تلك الاحتفالات كبيرة، وعصية على الفهم بالنسبة لنا، فهل هو فعلا يذهب بعقله بعيدا أثناء الحضرة وهو يتطوح يمينا ويسارا ويقول بصوت جهوري: “الله الله الله”، ثم يصاب بنوع من الصرع ويتدخل الرجال لحمله بعيدا وهو ينتفض وجسده كأن به كهرباء لا يستكين، وبعد بضعة دقائق يعود إلى حالته الطبيعية ويكرر تلك الفعلة مرة أخرى، وهو في حالة من النشوة والاستغراق، وتتكرر تلك الحالة مع رجال آخرين وهكذا.

وفي يوم قررنا أن يسمعنا هذا الشيخ صاحب الطريقة أن ما يحدث هو نوع من الكذب والتضليل، وفجأة وقف الشيخ وأصبح جثة هامدة متحجرة، ودعونا أن نحمله ونرفعه ليدخل إلى الضريح، وأخذ من يحملونه يعدون بسرعه ويلف بهم في دوائر، ثم يسير مستقيما ونحن غير مصدقين ما يحدث، هل هذا حقيقي وأنه مكشوف عنه الحجاب كما يقولون؟ أم أنه نوع من خدع الشيخ؟ ومن الذي جعله وليا؟ أهو ورث الطريقة عن آبائه وأجداده الذي يعطيه الحق في ذلك؟ وانتهى عهدي بتلك الحالات، لكن دعونا نعود إلى صاحب المقال في حديثنا هذا.

كان المولد كبير ويتم دعوة كل الأبناء المغتربين داخل القطر المصري، ويأتي أناس كثيرون غرباء عن القرية، وتنتشر الألعاب والمراجيح وغيرها من فنون اللهو التي لا تأتى ولا نراها إلا في المولد فقط، فتلك مناسبة بالنسبة للقرية كبيرة ومهمة، ومع أنه في نفس القرية عدة أضرحة أخرى لكن لم يحظوا بما يحظى به شيخنا صاحب المقام.

فكانت الأطفال تنتظر نساء القرية اللاتي تأتين بالأرز باللبن وفاء لنذورهم، ونهجم على ما يحملونة فوق رؤوسهم بأيدينا، وقبل أن تنزله من على رأسها، في حالة ترصد لكل من جاءت بأي شيء عند مقام سيدنا صاحب المقام.

طبعا كان من حظنا السعيد أن تكون ليلتنا قبل الليلة الكبيرة بيوم، ويكون البيت في حالة طوارئ من قبلها لتجهيز العيش والقرفة والكمون وما يلزم لتلك الليلة من إجراءات، فنحن لم نعرف عدد الضيوف المحتملين، وتنتشر الأنوار ومكبرات الصوت، والشيوخ الذين يمدحون ويصدحون بأصواتهم بقصص العبرة لملاحم من وحي خيالهم، وما زلنا نحفظ بعضا من تلك القصص حتى الآن.

وفى يوم المولد يكون السهر إلى وقت أذان الفجر، ويتم شراء البطاريات للمسجلات حتى يتم تسجيل ما ينشده الشيخ، وينتشر هؤلاء الرجال فوق الأسطح بجوار الميكرفونات صاخبة الصوت، ولا همس ولا نفس حتى يخرج التسجيل بصوت نقي، ونحن أمام المقطورة المفروشة والتي يكون عليها المنشد وفرقته الموسيقية، يكون الوضع أكثر صخبا وضجيجا، حيث الاندماج مع الإنشاد، والنعاس المتواصل من الرجال والشباب في حالة من الاستغراق الكامل.

 

كان مولد هذا الشيخ منذ عدة أيام، ولم أذهب إليه منذ سنوات طويلة، منذ أن سألت من هذا الشيخ الذي لا نعرف سوى اسمه، ومن أين جاء؟ ولماذا سكن مقامه تلك البقعة وهل حقيقي أن تحت المقام قبر؟.. أسئلة كثيرة كانت تدور في رأسي وقتها.

لقد سألت كثيرا من الأسئلة والتي اعتبروها محرمة، خوفا من أذية صاحب المقام، وغاب عنهم أن الله سبحانه وتعالى بيده كل شيء.

حتى قيل لي أن هذا الشيخ جاء في المنام لشخص جليل في القرية، وطلب منه أن يبني له مقاما في تلك النقطة المقام فيها مقامه، والرجل لم يفعل ثم عاد وجاء مرة أخرى له فتخوف الرجل، وبدأ يحكي لأهل القرية الكبار ما حدث معه، حتى دخل عليهم الشيخ المنشد وقال لهم هل يوجد فلان بينكم، وقال له لقد جاءني الشيخ صاحب المقام وقال لي يجب أن أحضر إليك لأقيم ليلة المولد، ومن هنا بدأت الحكاية ولم تنتهِ.

فهناك كثير من الأضرحة لشخصيات تروى عنها أفعال خارقة وكرامات والعكس صحيح وتبقى الحقيقة غائبة.

لكن نحن كمصريين متيمون بحب أولياء الله وجميع آل البيت تحديدا، دون تشيع، إنما تعلق محبة بكل من له صلة بالبيت النبوي الشريف، ولا نطلب المدد إلا من الله سبحانه وتعالى فهو القادر على كل شيء

تابع مواقعنا