الطريق إلى النصر
رحل جمال عبد الناصر الى الرفيق الأعلى، وطوال السنوات من بعد النكسة وهو لا يفكر سوى فى عودة الأرض، وخاض حرب الاستنزاف وهو يعيد هيكلة وبناء القوات المسلحة، وتنظيم صفوفها، وعلى جاهزيتها للمعركة المقبلة، لكنه رحل قبل أن يقوم بمعركته، وخلفه الرئيس السادات بوصفه النائب الأول والوحيد طبقا للدستور، بدأ فى التجهيز والإعداد لمعركه التحرير.
كان السادات يرى فى البداية ان هناك حل سياسي قبل الدخول فى حرب، وأن خيوط اللعبة فى يد الأمريكان، وبدأ فى إرسال مبعوثة إلى واشنطن (حافظ إسماعيل) برسائل منه إلى الإدارة الأمريكية، حتى كانت رسالة هنرى كيسنجر لمبعوثة، أنه ليس هناك تفاوض وأن الأمر يبقى على ماهو عليه، وأدرك السادات أنه لاسبيل سوى الحرب بعد فشل كل محاولات السلام بالعودة إلى ما قبل 5 يونيو، تلك الحرب التى كانوا يظنها الأمريكان أنها مستحيلة أن تحدث وأن حدثت لن تقوم لمصر قائمة.
والشعب فى حالة من الغضب والسخط، يضغط باستمرار ومعه طلبة الجامعات فى سرعة الدخول فى معركة استرداد الأرض، وكثرت النكات والهجوم على السادات شخصيا بسبب التراخى فى دخول المعركة، وأنه يتحمل المسئولية كاملة فى هذا التأخير.
وقد عين الفريق محمد أحمد صادق وزيرا للحربية، وأحمد إسماعيل مديرا للمخابرات، وسعد الدين الشاذلي رئيسا لعمليات القوات المسلحة.
فأعلن أن عام 1971 هو عام الحسم، لكن خذله السوفيت ولم يستلم السلاح اللازم لدخول المعركة، وأطلق على هذا العام عام الضباب.
فى ذلك الوقت كانت القيادة العامة فى القوات المسلحة تواصل تجهيزاتها للمعركة، باستكمال اللوجستيات، والتسليح، والتدريب على الخطة بكل دقة بعد زيادة أفراد القوات المسلحة من المجندين والضباط، والتغلب على النقص العددي فى الضباط بدخول المؤهلات العليا كلية الضباط الاحتياط وتدريبهم على مهارات القيادة والعمليات، بجانب الدفعات التي تخرجت من الكلية الحربية، ودخول مجندين من المتعلمين فى الكتائب القتالية، وهكذا تغلبت القيادة العسكرية على النقص العددي فى الأفراد والضباط.
كما قامت الحكومة بتأمين الاحتياطي من السلع الغذائية والتموينية والإستراتيجية والدواء استعدادا للمعركة، وتحسبا لأي طارئ لو طال أمد المعركة.
وكانت تتمحور خطة العبور العظيم التي أشرف عليها الشاذلي، أن يتم عبور قناة السويس، والتمركز بعد القناة بحوالي 15 كم، حيث سيظلون تحت حماية ومظلة الدفاع الجوي.
وفى الجانب الإسرائيلى كان يرى أنه من المستحيل أن يتم عبور قناة السويس، التى ستتحول الى كتلة من اللهب عندما تفتح أنابيب النابلم، ناهيك عن الحاجز الترابى، وخط بارليف المنيع بتحصيناته القوية، وأن مصر لن تحارب قبل عشرين عاما من الآن، وطال هذا الاعتقاد الفريق صادق الذى أقاله السادات لرفضه الحرب بدعوى عدم جاهزية القوات المسلحة للمعركة، وجاء بالمشير أحمد إسماعيل وزيرا للحربية.
ومارست مصر على إسرائيل خطة الخداع التعبوى التى كانت جزء من خطة الخداع الاستراتيجى وجزء من خطة الحرب، والتى كلفتهم الكثير مما جعلها فى كل مرة ترفع درجة استعدادها إلى الدرجة القصوى، ثم تفاجأ أن مصر لن تحارب، وتكرر ذلك الأمر كثيرا لاستمرار إرهاق العدو، ودفعه إلى القيام بالتعبئة الكاملة ثم يفاجأ بعملية الخداع.
حتى كانت ساعة الصفر، وبداية المعركة الحاسمة، وانطلقت النسور المصرية، تشق السماء بعدد 200 طائرة مقاتلة، متجهة إلى أهدافها المحددة، فى ضربة قوية ومفاجئة للعدو، أفقدته توازنه، وبدأ الجنود المصريون يعبرون إلى الضفة الأخرى من القناة وسط صيحات وهتاف الله أكبر.
الحديث عن المعركة يحتاج مجلدات، فقد سطر المصريين بحروف من نور قصص البطولة والفداء، سواء من كان على الجبهة أو الشعب الذى ساند قواته وتحمل أعباء تلك الحرب وتكلفتها.
فاستطاع المصريين تحطيم أسطورة العدو الذى لا يقهر، والتغلب على الساتر الترابى بمضخات المياة، وعبور القناة بعد أن تم تأمينها بغلق أنابيب النابلم، وتحطيم النقط الحصينة فى خط بارلييف المنيع.
كان العبور فى شهر رمضان الكريم، ومفتاح النصر الله أكبر يصدح بها المقاتلون وقلوبهم يملئها الإيمان بأن الله معهم والنصر حليفهم، فتم طى صفحة الهزيمة، وكسر كبرياء إسرائيل وغرورها، وتحطيم أسطورة العدو الذى لا يهزم.
على الجيل الحالى والأجيال القادمة أن تعلم جيدا أن حرب أكتوبر 1973 كانت حرب رد اعتبار، هزمنا فيها الهزيمة، ومحونا عار النكسة المرير، وأن كل شبر من تراب سيناء مشبع بدماء جنودنا وشهدائنا الأبرار، الذين قدموا أرواحهم فى سبيل استرداد الأرض وعودة الكرامة.
علينا أن نسرد لأولادنا قصص البطولة لأبطال شجعان لم يبخلوا بأرواحهم ودمائهم فى سبيل عزة وطنهم وحمايته، فكل جندى مقاتل فى المعركة هو قصة بطولة، سنظل نرويها مادامت الحياة.
علينا أن نعلمهم أن الأرض كالعرض والشرف ندافع عنها بالغالى والنفيس.
علينا أن نجعلهم يؤمنون أن نصر أكتوبر أعاد الأرض، وأننا كما انتصرنا عسكريا، انتصرنا سياسيا وعادت كل أراضينا المغتصبة.
وأننا قمنا بأعظم عملية عبور فى التاريخ، وأن قرار الحرب والدخول للمعركة برغم كل الإمكانيات المحدودة كان فى حد ذاته بطولة وشجاعة منقطعة النظير.
سنظل دائما وأبدا نحتفى ونحتفل بذكرى معركة العبور.
فتحية إجلال وتقدير لكل شهدائنا على مر العصور.
وكل عام وقواتنا المسلحة الدرع والسيف فى حفظ الله وأمانه.