عمري أطول من الاحتلال..أم العبد مغنية شدوا بعضكم يا أهل فلسطين لـ القاهرة 24: ياريتني طير لأرجع عبلدي لإن غزة هتنتصر
في آب أغسطس عام 1938 ولدت الفلسطينية حليمة سليمان زايد، أو كما يُطلق عليها أم العبد، لتبدأ رحلة تعددت فصولها، من حياة هادئة عادية مثل أي إنسان في بلده، إلى تهجير ونزوح واللجوء للمخيم، فـ حليمة سليمان يطلق عليها كذلك حليمة الكسواني، ولهذا الاسم الأخير قصة أيضا.
فإكسا هي بلدة تقع شرق القدس، تنتسب إليها حليمة الكسواني، والتي لم تكن بلدة عادية وإنما كانت زراعية واسعة، فهي تنتمي لعائلة قروية من المزارعين، تحاصرهم مجموعة من اليهود، فقط يفصل بينهم “شيك” حديدي مثلما كان يُطلق عليه قديمًا، فهي تتذكرها جيدًا.
وروت الحاجة حليمة الكسواني لـ القاهرة 24 قصتها منذ ولادتها بفلسطين وحتى نزوحها إلى الأردن.
فتحت حليمة أعينها على بلدة يملؤها الخضار، فكانت تمسك ذيل جلبابها الصغير بيديها الناعمة وهي بسن الخامسة، تجري على أرضها أمام منزلها الخشبي ذي اللون الفاتح، مع باقي أطفال إكسا، وكانت الضحكات ترن في الأرجاء، تتذكر في خلفية هذا المشهد، غناء أمها والأمهات الجيران وهن في المطبخ، يطبخن كل ما لذ وطاب، ويجتمعن مع أزواجهن على طبالي واحدة، حيث اعتاد أهل فلسطين أن يكونوا معًا منذ زمن بعيد.
حليمة الكسواني
ولم تنعم الطفلة حليمة طويلًا بالعيشة الآمنة، ففي عام النكبة 1948، داهمها وأسرتها العصابات الصهيونية هي وأهل منطقة إكسا، وأجبرتهم على النزوح وترك الأرض، فخرجت ولجأت إلى عمان، ولم يمر وقت طويل إلى أن جاءهم نبأ الرجوع إلى إكسا مرة أخرى لأنها أصبحت آمنة.
وبالفعل بعدما عادت حليمة إلى بلدتها التي ظنت أنها ستمكث فيها وتُدفن بأرضها، لم تعلم أنها لن تراها مرة أخرى، وتصبح إكسا مجرد حلم تتمنى أن يتحقق يومًا ما.
أجبر الكيان الصهيوني حليمة وأهلها على النزوح مرة أخرى، فهاجرت إلى الأردن وعاشت بمخيم الزرقاء للاجئين حتى هذه اللحظة، وبالرغم من استمرار الحياة وزواج حليمة وإنجابها اثنين، أحدهما مدرس بالجامعة والآخر مدرس بمدارس الأردن الحكومية، فإن عقلها وقلبها لا يزالان في إكسا، يرتبطان بها متمنيين العودة إلى الديار.
شدوا بعضكم يا أهل فلسطين
وظلت حليمة محتفظة بالتراث الفلسطيني التي هجرته عنوة، وكانت من حين لآخر تردد الأغاني التي كانت مع أهلها بفلسطين موسم الحصاد، وكانت منها الأغنية التي تهز وجدان كل من يسمعها "شدوا بعضكم يا أهل فلسطين شدوا بعضكم.. ما ودعتكم رحلت فلسطين ما ودعتكم"، صوت الحاجة حليمة يتخلل مشاعر مستمعها، يبكي بسبب صوتها الحنين الدافئ، ويشعر وكأنه خرج عن وطنه رغمًا عنه.
تجاعيد وجه الحاجة حليمة، كانت جزءًا ليس فقط من نجاح أغنيتها فحسب، بل وكأنها تشرح معاناة فلسطين على مر العقود، وتؤكد تلك الخطوط الرفيعة التي زينت وجهها أنها صاحبة الأرض الأصلية، فذكرت خلال حديثها مع القاهرة 24: عمري 86 سنة، ولدت قبل عمل ما تدعى بـ شهادات الميلاد، وأيضًا قبل الاحتلال الإسرائيلي.
وتقول الحاجة حليمة، إنها غنت أغنيتها الشهيرة التي انتشرت بشكل واسع وهي صائمة، ولم تتوقع أنها ستكون سببًا في انتشار أغنية فلسطينية كانت تغنيها مع أهلها منذ زمن طويل، لكن كانت ترغب من خلالها تشجيع الشباب ورفع الروح المعنوية للشعب المشتت.
وذكرت الحاجة حليمة خلال حديثها لـ القاهرة 24، أنها تتابع حاليًا كل أخبار قصف غزة من قبل الكيان الصهيوني الغاشم، قائلة في هذا الصدد: يا ريتني طير أطير حواليهم وأروح عبلدي..من يومها وأنا مريضة لا أكل ولا شرب..أنا ما بعرف ولا حدا فيهم..بس لازم نشعر بإخوانا، الله يجمعنا بفلسطين ويوحدنا.. وغزة راح تنتصر عليهم وهي من نصيبهم.
حد ميحبش بلده..إحنا بلدنا جنة.. واللي جربوا النكبة والنزحة ندموا على طلعتهم ونفسهم يرجعوا، بهذه العبارة وصفت الحاجة حليمة حبها لفلسطين التي تركتها منذ أعوام طويلة، متمنية الرجوع لها حتى لو لحظة، حتى تمنت أنها لو طير بجناحات لتطير على إكسا وغزة وتنعم بتراب فلسطين، واصفة أهل غزة بأنهم أبطال مدافعين عن وطنهم، فضلوا الموت بدلًا من النزوح.
ووجهت الحاجة حليمة الكسواني رسالة لأهل غزة التي تتعرض للإبادة الآن: حابة اقولهم الله معاكم وينصركم عمين يعاديكم.. الله يوحد قلوبهم الله يثبتكم ببلادكم ويرحم الشهداء ويصبر الأمهات ويزيح الغمة ويثبت قلوبهم..وتكون رصاص العدو مية عليهم وناخذ بلادنا..خليكم صامدين.