مؤشرات وقف إطلاق نار طويل الأمد في غزة.. هل يتجه القطاع المنكوب نحو تهدئة شاملة؟
تعمل الأطراف الإقليمية والدولية على مدار الساعة من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد في قطاع غزة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية، في ظل إقرار الهدنة المؤقتة، وإعلان تمديدها بعد نجاح الفترة الأولى من الهدنة، وسط أوضاع إنسانية صعبة يعيشها سكان غزة في رقعة من الأرض أضحت منطقة منكوبة ومصيرها مجهولا.
وتقود مصر وقطر جهودًا مكثفة مع إسرائيل والفصائل الفلسطينية بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية، لبحث وقف إطلاق النار بشكل مستدام في قطاع غزة، وإتمام صفقات تبادل الأسرى والمحتجزين بين الجانبين، في ظل مؤشرات نجاح الهدنة المؤقتة بشكل كبير، لكن هذا الأمر ما زال يتطلب المزيد من الجهد لإقناع الطرفين بتمرير هذه الصفقة لا الكبرى.
وعلى مدار الـ 4 أيام الماضية تبادلت إسرائيل والفصائل الفلسطينية الأسرى والمحتجزين على أربعة في شكل دفع يومية تحت رعاية مصرية مباشرة بمشاركة الصليب الأحمر الدولي، الذي تولى مسئولية عملية التسليم والتسلم بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
كما أفادت تقارير عبرية، بأن هناك ضغوطًا كبيرة على إسرائيل من الوسطاء للسماح بإدخال المساعدات إلى شمال قطاع غزة، بكميات أكبر مما حدث حتى الآن، والموافقة على وقف إطلاق النار بشكل مستدام، وهو نفس الأمر الذي يفعله الوسطاء من أجل الضغط على حماس أيضًا.
وقف إطلاق النار طويل الأمد بين إسرائيل وحماس
من المرجح أن يتطلب وقف إطلاق النار طويل الأمد بين إسرائيل وحماس تقديم تنازلات كبيرة من الجانبين، بعضها صعب، وفقًا لمسؤولين مصريين وقطريين تحدثوا اليوم الثلاثاء مع صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية.
وحسب المصادر، فإنه في إطار وقف إطلاق النار هذا، قد يتم إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين الذين اختطفوا في قطاع غزة خلال أحداث 7 أكتوبر، مقابل إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية.
وأضافت المصادر أن ذلك سيجبر إسرائيل على الانتظار في تنفيذ نشاط بري في جنوب قطاع غزة يهدف إلى إسقاط حماس والقضاء على قيادتها العليا وشل القدرات العسكرية للمنظمة، وفي الوقت نفسه فإن حماس قد تصل إلى وضع تضطر فيه إلى قبول بنزع سلاح المنظمة.
وبالنظر إلى هذه التصريحات، فإنها تتوافق مع آخر التقارير حول الاجتماع الثلاثي لرئيس الموساد دافيد بارنياع ورئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز ورئيس وزراء قطر محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، حيث ناقش الثلاثة أطراف الخطوة التالية في خطة إطلاق سراح المحتجزين، ويأتي ذلك بالتزامن مع توجه رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية إلى الدوحة لبحث تطورات الصفقة مع المسئولين الإسرائيليين والأمريكيين.
وحسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، فمن المفترض أن تكون الصفقة التي يروج لها رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أوسع نطاقا وتشمل عددا أكبر من المختطفين، بينهم رجال وجنود، كما سيتضمن هذا المخطط وقف إطلاق النار الذي سيستمر لفترة أطول.
وفي ذات السياق، أشارت وسائل إعلام عبرية، إلى أنه من المحتمل أن يتم طرح عرض على الحكومة الإسرائيلية خلال الأيام المقبلة، لبحث إطلاق سراح جميع الجنود والرجال الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة مقابل الإفراج عن الآلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل، وتطبيق وقف إطلاق نار مستدام في قطاع غزة.
موقف إسرائيلي متضارب بشأن وقف إطلاق النار
على الرغم من الجهود الكبيرة التي تقودها مصر وقطر والولايات المتحدة، فإن الموقف الإسرائيلي من وقف إطلاق النار في قطاع غزة يبدو متضاربًا للغاية في ظل وجود روايتين مختلفتين، وهما:
وقف إطلاق النار
وتطالب أوساط سياسية رسيمة في إسرائيل بوقف إطلاق النار بشكل مستدام في قطاع غزة، وذلك تحت ضغط هائل من المجتمع الإسرائيلي والذي يخرج للشوارع بشكل مستمر للتظاهر ضد حكومة نتنياهو من أجل وقف إطلاق النار والعمل على عودة جميع المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، وهو ما يضع إسرائيل في مأزق كبير للاختيار بين القبول بوقف إطلاق النار وهو ما قد توافق على الفصائل الفلسطينية بالفعل وتترك الكرة في ملعب تل أبيب للاختيار، أو مواصلة الحرب.
مواصلة الحرب والقضاء على حماس
نعود إلى رواية إسرائيل التي روجت لها على نطاق واسع منذ بداية عملية طوفان الأقصى، والتي تبنهيا على عدم إيقاف الحرب حتى تقضي على حركة حماس، وهناك عدة دلالات إسرائيلية تدعم هذا القرار في الوقت الراهن، ومنها، قول الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلي بني جانتس: نحن نستعد للمراحل المقبلة من الحرب وتوسيع المناورة في قطاع غزة بأكمله، ولن تكون هناك نقطة يمكن أن تكون ملجأ لحماس وقادتها.
في ذات السياق، يقول وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش: إن قرار وقف الحرب في قطاع غزة غير مطروح على الطاولة إطلاقًا في الوقت الراهن.
كذلك أعلن رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي هيرتسي هاليفي، أن قواته تستعد لتوسيع نطاق عملياتها في قطاع غزة بعد انتهاء الهدنة المؤقتة، وهو ما دعمه أيضًا رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف جالانت.
وجاء في تحليل لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، أن إسرائيل تواجه مأزقا رئيسيا فيما يتعلق بالمرحلة التالية من حربها ضد حماس في قطاع غزة، وربما ليس هناك ما هو أكثر أهمية وإثارة للانفجار بالنسبة لحكومة نتنياهو من قضية المساعدات الإنسانية اللازمة لسكان غزة، وعلى تل أبيب أن تتخذ قرارات مصيرية فيما يتعلق بمستقبل الحرب في غزة.
قطاع غزة إلى أين؟
تبدو الأوضاع في قطاع غزة ضبابية حتى اليوم، فلم تتضح بعد الصورة الواضحة لما سيكون عليه الوضع في غزة بعد الحرب، ورغم الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، فإن الموقف الإسرائيلي والفلسطيني ما زال غير واضح بشكل كامل من اتخاذ قرار وقف إطلاق النار بشكل مستدام في القطاع.
لكن على الجانب الفلسطيني، فإن حركة حماس لا تمانع في وقف إطلاق النار بشكل مستدام في قطاع غزة، خاصة في ظل ضغوط الوسطاء عليها للقبول بذلك مقابل المكاسب التي حققتها المقاومة حتى الآن.
أما الجانب الإسرائيلي، فأنه ما زال موقفه غير واضح، بسبب الخلافات الداخلية في حكومة الاحتلال وأوساطه السياسية والأمنية، فهناك من يدعم وقف إطلاق النار وآخر يزعم استمرار الحرب حتى القضاء على حماس.
القطاع المنكوب.. ويبقى قطاع غزة المنكوب في وضع كارثي على المستوى الإنساني، بسبب معاناة المدنيين الأبرياء من سكان القطاع، والذين لا يعرفون كيف سيكون مصيرهم في قادم الأيام، وقد تكون الأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت فيما يخص مستقبل تهدئة مستدامة في القطاع.