لماذا ترفض دول إفريقيا التجارة بالعملات المحلية في ظل نقص الدولار؟.. وأفريكسم بنك الحل الوحيد لتكرار تجربة روسيا والصين
لم تستطع الدول الإفريقية الاستغناء عن التبادل التجاري بالدولار طوال السنوات الماضية، رغم أنه أصبح ضرورة عصرية، في ظل تطبيقه بين دول كبرى على الساحة العالمية، وأيضا في ظل نقص العملة الخضراء الشديد لدى معظم دول القارة، وتراجع قيمة العملات المحلية، ونمو معدلات الاستيراد والتصدير، ووجود نظم متطورة للمدفوعات عبر الحدود، يمكن أن تسهم في التجارة بالعملات الوطنية الإفريقية بدلا عن الدولار.
وسجل معدل الواردات السلعية لدول إفريقيا ارتفاعا ليصل إلى 607.86 مليار دولار أمريكي في عام 2021، وسجل معدل الصادرات السلعية لدول إفريقيا نموا إلى 572.59 مليار دولار أمريكي في عام 2021، بحسب تقرير أفريكسم بنك عن التجارة الإفريقية، والذي صدر في عام 2022.
نقص الدولار وراء عدم التجارة بالعملات المحلية الإفريقية
وقال يحيى الواثق بالله، رئيس جهاز التمثيل التجاري المصري، التابع لوزارة الصناعة والتجارة الخارجية، إن معظم الدول الإفريقية تسعى لتعزيز التجارة بالدولار خلال الفترة الحالية التي تشهد نقصا كبيرا في العملة الخضراء لدى دول القارة.
وأضاف رئيس جهاز التمثيل التجاري المصري، في تصريحات خاصة لـ القاهرة 24، أن دول قارة إفريقيا تعاني من نقصٍ شديد في الدولار، وهو ما يمنعها من التبادل التجاري بالعملات المحلية، بسبب الاحتياج إلى الدولار من أجل الاستيراد من خارج القارة بالعملة الصعبة وسداد الالتزامات الخارجية مثل الديون وعوائد الاستثمار وغيرها.
وأشار إلى أن البنوك المركزية الإفريقية بالفعل لديها دراسات حول التبادل التجاري بالعملات المحلية، مع دول القارة منها البنك المركزي المصري، لكن النقص الشديد في الدولار خلال عامي 2022 و2023، حال دون تنفيذ خطط الدفع بالعملات الوطنية الإفريقية بدلا عن الدولار.
ورجح الواثق بالله، أن يتم اتخاذ خطوات فعلية في التبادل التجاري بين دول القارة بالعملات المحلية، حال وجود البيئة الاقتصادية المناسبة وتوافر ما يغني عن العملة الخضراء في سداد المدفوعات الخارجية، وذلك رغم أنه لم يسبق أن تم تنفيذ مدفوعات بالعملات الوطنية الإفريقية بحجم كبير معلن خلال السنوات الماضية.
دعم أفريكسم بنك للتجارة البينية الإفريقية بالعملات المحلية
وقالت كانايو أواني، نائب الرئيس التنفيذي في البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد Afreximbank، في تصريحات خلال مؤتمر صحفي افتراضي، ردا على سؤال لـ القاهرة 24، حول دعم البنك للتجارة بالعملات المحلية بين دول إفريقيا، إن أفريكسم بنك يبذل مجهودات مكثفة في تنفيذ التعاملات التجارية عبر منصة التسويات والمقاصة PAPSS التي شهدت ضخ استثمارات كبيرة في بنيتها التكنولوجية بهدف إنجاح التعاملات التجارية في أقصر وقت وبدرجة أمان عالية.
وذكرت نائب الرئيس التنفيذي في البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد، خلال المؤتمر الذي عقد في 28 نوفمبر 2023، أن النظام المعروف باسم "PAPSS" يستخدم أسعار صرف الدولار في الوقت الحالي، لكننا نعمل مع البنوك المركزية لتطوير آلية سعر الصرف التي من شأنها السماح للعملات الإفريقية البالغ عددها 42 عملة بأن تكون قابلة للتحويل فيما بينها.
محادثات مع البنوك المركزية الإفريقية
في 26 يونيو 2023، كشفت مسؤولة التعاون الدولي في البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد أفريكسم بنك، كريستيان أبولحاف، خلال اجتماعات البنك السنوية، عن محادثات مع البنك المركزي المصري، وعدد من البنوك التجارية العاملة في مصر لبدء تفعيل انضمام مصر خلال النصف الثاني من العام الجاري لمنصة الدفع والتسوية التي أطلقها أفريكسم بنك في يناير 2022 والمعروفة باسم (PAPSS).
وأكدت أبولحاف، أن انضمام مصر، بقيادة البنك المركزي وبمشاركة عدد من البنوك التجارية، سيعزز فرص الشركات والجهاز المصرفي في زيادة التبادل التجاري والاستثمار مع الدول الإفريقية بالعملات المحلية، والتغلب على أكبر عقبة وهي ضغوط وفرة النقد الأجنبي، وفق صحيفة الشرق الأوسط.
الشركات الإفريقية مستعدة للتعامل بالعملات المحلية
أما رئيس الشعبة العامة للمصدرين بالاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، الدكتور شريف الجبلي، وأحد أكبر المصدرين المصريين إلى قارة إفريقيا، قال إن التبادل التجاري بالعملات المحلية بين دول إفريقيا أصبح مطلبا ضروريا لابد منه في ظل ندرة الدولار في القارة.
وأوضح شريف الجبلي، الذي يشغل منصب رئيس لجنة التعاون الإفريقي باتحاد الصناعات المصرية، لـ القاهرة 24، أن الشركات الإفريقية الكبرى، العاملة في دول القارة، مستعدة للتعامل بالعملات المحلية لدول القارة بشرط وجود ضمان لها من قبل وسيط قوي مثل البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير.
وسيلة ضمان نجاح التجارة بالعملات المحلية الإفريقية
وذكر رئيس الشعبة العامة للمصدرين في مصر، أن التجارة بالعملة المحلية هدف نبيل لابد منه، والعمل بها، سيخفف الضغط على الدولار، وعلى بنك التصدير والاستيراد الإفريقي أفريكسم بنك، أن يجد وسيلة لتسريع عمليات ضمان التجارة عبر الحدود بالعملة المحلية.
وأشار شريف الجبلي، إلى أن نجاح التبادل التجاري بالعملات المحلية بين دول إفريقيا يعتمد على مدة تطبيق آليات التبادل التجاري، التي سيضمنها الضامن أو الوسيط وهو البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير، مثل شراء بضائع من تنزانيا، وأريد أن أدفع لها بالجنيه المصري، فلابد من وجود ضمانات للجنيه من قبل البنك الإفريقي، وعلى نفس الوتيرة وجود ضمانات عند دفع الشركات التنزانية بالشلن التنزاني إلى مصر حينما يستوردون بضائع من مصر، فهنا تحتاج الشركات لضمانات من أجل ضمان استمرار التعامل بهذه العملات وتحديد قيمة عادلة لها، لا تكبد الشركات خسائر من فروق العملات.
تجربة عمالقة التجارة العالمية الصين وروسيا والبرازيل والهند
في ظل التقارب الاقتصادي والسياسي، ونموذج يمكن العمل على تطبيقه في دول إفريقيا، وسعت الصين وروسيا تجارتهم بالعملات الوطنية، ويوشكان على تحويل 200 مليار دولار من التجارة بينهم، إلى تجار خالصة باليوان الصيني والروبل الروسي، خاصة أن البلدان يعانيان من عقوبات أمريكية وغربية لأسباب مختلفة.
وقال رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين، خلال زيارة للصين في 24 مايو 2023، إنه متوقع أن تصل التجارة الثنائية بين الصين وروسيا إلى 200 مليار دولار في 2023.
وفي 4 يوليو 2023، صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأن أكثر من 80% من التجارة بين روسيا والصين تتم بالعملتين الروسية "الروبل" والصينية "اليوان".
وقال بوتين في اجتماع قمة عقد عبر الفيديو للدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون (SCO): يتم بالفعل تنفيذ أكثر من 80% من المعاملات التجارية بين روسيا وجمهورية الصين الشعبية بالروبل واليوان، وفق روسيا اليوم.
وفيما يتعلق بتجارة روسيا مع دول منظمة شنغهاي للتعاون، أشار الرئيس الروسي إلى أن حصة التعاملات بالروبل دول المنظمة تجاوزت 40%.
أما البرازيل والصين، فأعلنا في أبريل 2023، خلال منتدى أعمال صيني برازيلي رفيع المستوى، في خطوة جديدة نحو التخلي عن الدولار الأمريكي، أنهما اتفقتا على استخدام عملتيهما المحليتين في التبادل التجاري فيما بينهما، بدلًا من استخدام الدولار، وفق ما نقلته بي بي سي.
يلعب طرفا الاتفاق أدوارًا مهمة في شكل السوق العالمي، فالصين هي صاحبة ثاني أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، فيما تعتبر البرازيل أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، ويعدّ هذا الاتفاق هو الأول من نوعه الذي تعقده الصين مع إحدى دول أمريكا اللاتينية، لا سيما وأن بكين هي الشريك التجاري الأكبر للبرازيل، حيث بلغت قيمة التبادل التجاري بينهما نحو 150 مليار دولار العام الماضي.
وفي خطوة مبدئية لتحالفات مشابهة، قالت مديرة الدائرة الثانية بوزارة الخارجية الروسية، زامير كابولوف، إن روسيا والهند ستتخليان عن التعامل بالدولار واليورو في الحسابات المتبادلة، ووفقا لها، فإن التحول إلى العملتين الوطنيتين قرار مبدئي، وفق روسيا اليوم، في 24 ديسمبر 2022.
ونما حجم التجارة بين روسيا والهند إلى نحو 22 مليار دولار، وهناك خطة لإيصاله إلى 30 مليار دولار بحلول العام 2025.
الإسهام في رفع التبادل التجاري بقوة
اعتبر أحمد زكي، نائب رئيس شعبة المصدرين بغرفة القاهرة التجارية، وأحد رجال الأعمال المصدرين إلى إفريقيا، أن التعامل مع دول قارة إفريقيا بالعملات المحلية والتكتلات التجارية مثل تكتل الكوميسا، سوف يزيد من فرص التبادل التجاري مع الدول الإفريقية.
وأكد نائب رئيس شعبة المصدرين بغرفة القاهرة التجارية، في تصريحات لـ القاهرة 24، أنه عند التجارة بالعملة المحلية مع إفريقيا، يجب أن نضع في الاعتبار حدود حجم التبادل التجاري بين الدول التي سنتبادل معها بالعملات المحلية، حتى لا يحدث خلل بالميزان التجاري لمصر أو الدول الأخرى حال نقص الدولار بسبب التصدير بعملات أخرى.
وأشار نائب رئيس شعبة المصدرين، إلى حل إضافي في التجارة بالعملة المحلية، وهو أن بعض الدول تتبادل كميات كبيرة من السلع، مثل الشاي والقهوة أو الخضراوات والفواكه أو منتجات الألبان واللحوم، يمكن عمل تبادل تجاري بنظام المقاصة المباشرة في حدود حجم التبادل التجاري بين البلدين اللذان يستهدفان هذا النوع من التجارة، مع ضمانات من البنك المركزية في البلدين، مثلما يحدث بين الصين وروسيا على سبيل المثال.
نظام المدفوعات والتسويات لعموم إفريقيا لا يعمل
يهدف نظام المدفوعات والتسويات لعموم إفريقيا إلى حل مشكلات التجارة بالعملات المحلية، من خلال تسوية المعاملات بالعملات الإفريقية المحلية، وتجنب الحاجة إلى تحويلها إلى الدولار أو اليورو قبل مبادلتها بعملة إفريقية أخرى، وفق تقرير على موقع صندوق النقد الدولي في سبتمبر 2022، وسوف يقضي نظام المدفوعات والتسويات لعموم إفريقيا، في الأساس، على جهات الوساطة الخارجية المكلفة.
وبحسب التقرير، يقول وامكيلي مين، الأمين العام لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية "سيكون هذا بمثابة تغيير جذري للتجارة في القارة الإفريقية".
ومع ذلك، يواجه نظام المدفوعات والتسويات لعموم إفريقيا عقبات خاصة به، فسيتعين على البنوك المركزية التي تشكل محور عمل النظام التوفيق بين الاختلافات في اللوائح والبنية التحتية ونظم الرقابة على المستويات الوطنية، وقد تثبُت أيضا صعوبة تحديد كيفية تسوية المعاملات بين عدد من العملات المتقلبة.
ورغم إطلاق النظام رسميا في يناير 2022، فإنه لم يكمل بعد معاملة تجارية واحدة حتى منتصف صيف 2022، ويقول جون بوسكو سيبابي، نائب الرئيس التنفيذي للنظام، إن النظام قد ضم ستة بنوك مركزية، والمزيد منها على وشك الانضمام، و16 بنكا تجاريا.
ويقر سيبابي بأن الوعي بالنظام منخفض في مجتمع الأعمال، ويقول إن البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد ونظام المدفوعات والتسويات لعموم إفريقيا لديهما حملة تسويقية مشتركة جاري تنفيذها، وتوقع وقتها أن تجري دول القارة معاملات مصرفية تجارية في القريب العاجل، لكن حتى نهاية 2023، لم يتم تسوية معاملات رسمية معلنة.