الإثنين 25 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

قطعة من الجبُن الأبيض

الجمعة 08/ديسمبر/2023 - 06:51 م

• القصة دي قصة حقيقية تم ذِكرها في أكتر من مكان وتم نسبها لصحفي أمريكي كان شاهدًا على أحداثها، حتى مع الاختلاف على اسمه الحقيقي واللي تاه ما بين 3 أسماء، لكن ظل الإجماع على صحتها وعلى جنسية راويها.. في التسعينيات، وفي واحدة من رحلات الطيران الداخلية في أمريكا كان الصحفي اللي بيتابع علاجه راجع للولاية بتاعته بعد ما عمل إعادة كشف عند الطبيب الخاص بيه، واللي للأسف كان غيّر محل إقامته، لكن وبسبب راحة الصحفي معاه في مشواره العلاجي قرر يسافرله وخلص مهمته على خير.. ركب الطيارة اللي كانت مقاعدها ثلاثية وركب في الكرسي الثالث اللي من بره جنب الطُرقة لإنه بيخاف يقعد جنب الشباك.. لحظات وجه الراكب التاني.. شاب في العشرينيات من عمره وقرر يقعد في النص جنب الصحفي.. شوية كمان دخل الراكب الثالث واللي ماكنش غير سيدة كبيرة في السن وعجوزة وواضح من ملابسها البسيطة إنها على قد الحال لدرجة إن أصلًا فكرة وجودها في طيارة كانت غريبة!.. مين دي ورايحة فين وجاية منين أساسًا!.. طبيعة المجتمع الأمريكي اللي بيحكمها في الأساس إن كل واحد بيبقى في حاله خلّت الصحفي يتجاهل الأمر ومايخدش في عقله إلا ثواني.. دخلت السيدة العجوزة ركبت جنب الاتنين في المكان اللي من جوه جنب الشباك.. عادةً في الرحلات الداخلية مش بيكون فيه وجبات مع الرحلة بس بسبب طول المسافة بين الولايتين اللي هتتحرك الرحلة بينهم كان فيه وجبة!.. بعد انطلاق الرحلة بحوالي ربع ساعة نزلت الوجبات للركاب.. لما جه دور الصحفي اعتذر بلُطف للمضيفة إنه مش عايز أكل وطلب بدل الأكل شوية ميه، والحقيقة إن ده كان طبيعي بسبب ظروفه الصحية اللي خلّته يسافر أساسًا.. الشاب استلم وجبته، والسيدة كمان.. كان واضح من لخبطة السيدة في فتح الترابيزة المطوية اللي ملزوقة في الكرسي اللي قدامها إنها أول مرة تركب طيارة.. الشاب ساعدها وحطت وجبتها فوق ترابيزتها وبدأت تاكل.. مع الأكل كان فيه كيس صغير قد نص كف الإيد فيه أكلة واخدة حجم الكيس الشفاف كله ولونها أبيض.. السيدة فتحت الكيس وطلعت اللي جواه ومسكت حتة عيش وبدأت تاكل القطعة البيضا بالعيش.. حركات السيدة المتوترة كانت لافتة نظر الشاب والصحفي جدًا.. بمجرد ما إيديها دخلت بوقها ظهر على وشها خضة مش بسيطة ووشها جه لون وراح لون، وكانت في قمة الإحراج!.. السبب واللي فهمه فورًا الشاب والصحفي اللي كانوا بيتابعوا الموقف كان إن القطعة البيضا دي هي حتة حلاوة مش جبنة بيضا زي ما السيدة قررت تتعامل معاها!.. واللي خلّاهم عارفين إنها حلاوة إنهم بيسافروا كتير يعني فشافوها كذا مرة وأكلوها كذا مرة لكن السيدة لأ.. الجميل في الموضوع وزى ما الصحفي بيحكي إن الشاب كان بيتابع الموقف بطرف عينيه عشان مايسببش إحراج للسيدة لدرجة إنه تعامل عادي عشان هي متاخدش بالها إنه أخد باله من لخبطتها فتتكسف زيادة.. بس كان واضح إن السيدة مكسوفة من نفسها أوي رغم إن الأمر طبيعي بس كان باين إنها حساسة.. الصحفي فوجئ بالشاب بيمسك حتة عيش هو كمان وبيفتح الكيس بتاعه هو وبيبدأ ياكل حتة الحلاوة بالعيش كإنها جبنة زى ما السيدة عملت بالظبط.. بص للشاب باستغراب بس هو كان بيتعامل بمنتهى العادية!.. بمجرد ما الشاب حط اللقمة في بوقه اتخض وبص للحلاوة بتعجّب، وبعدها بص للسيدة بشكل مباشر وقال لها وهو بيضحك: (سيدتى لما لم تخبرينى أنها حلوى ظننتها جبنة؟!)  السيدة ضحكت هي كمان وردت بسرعة: (وأنا كذلك كنت أظنها جبنة مثلك!).. والاتنين دخلوا في كريزة ضحك اتنقلت للصحفي كمان اللي بيتابع الموقف كله من أوله لآخره لحد ما نزلوا من الطيارة وكل واحد منهم كمل في طريقه!.. الصحفي بيقول إن بنسبة مليون% الشاب كان عارف إن دي جبنة بس بنسبة مليون% برضه هو قرر إنه مايحرجهاش وعمل نفسه متلخبط زيها عشان يزيل منها أي توتر.. يعني قبل وبإرادته يبان مش فاهم وجاهل لمجرد إنه يكون لطيف ويحافظ على مشاعرها.

• المحافظة على مشاعر الناس، وعلى خواطرهم، وتنقية الكلام اللي هيتقال لهم عبادة بتقربك من ربنا.. من زاوية الدين، والإنسانية، وحتى الذوق مفيش سبب واحد بيسمح لحد إنه يجرح غيره بمنتهى الجليطة، أو بحجة إن اللي في قلبه على لسانه، أو بالهزار.. لو يعرف الناس حجم الأثر سواء الحلو أو السيء اللي بيسيبوه في غيرهم بأفعالهم، وكلامهم هيفكروا مليون مرة قبل ما ينطقوا أو يعملوا.. الأديب "نجيب محفوظ" قال: (الإنسانية هي أيضًا صلاة لها حسناتها وهي أفضل بكثير من ركعات المنافقين).

تابع مواقعنا