الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

بداية جديدة.. تألم حتى تشفى

الأربعاء 20/ديسمبر/2023 - 08:52 م

يتعرض كل منا لموقف في حياته يجعل منه شخصا غير متزن نفسيا لبعض من الوقت، ويؤثر ذلك على أفعاله، سواء على المستوى الشخصي أو العملي، وبالتأكيد يكون التأثير سلبي جدا، وتتفاوت درجاته من شخص إلى آخر حسب قوة أو ضعف شخصيته والبيئة المحيطة به، ولكي لا يتم تشتيت فكرك عزيزي القارئ سوف نلقي الضوء فقط عن كيفية التعافي أو الشفاء من هذه المرحلة أيا كان نوع الشخصية التي تتألم وترغب في الوصول الى السلام النفسي مرة أخرى.

من أهم أسباب الشفاء هي أن تتألم حقيقة، ويشعر عقلك بهذا ويبدأ في ترجمة الألم إلى أفعال على أرض الواقع فى أى صورة من الصور الآتية: “صمت - بكاء - انفعال - حدة فى ردود الافعال - عزلة والابتعاد عن الناس”، كل هذه الصور تعتبر نمط من أنماط التألم، وقد تكون لفترة ليس بقصيرة وهى تعتبر من أصعب الفترات وأشرسها، لأنك تواجه الألم دون أى مسكنات.

هو تساؤل واحد فقط سوف يدور فى عقلك لماذا حدث ذلك؟ وتستمر المواجهة بين نفسك وعقلك.. نفسك تتألم وترفض وعقلك يترجم وللأسف يستمر هذا الصراع طويلا بين رفض وقبول إلى أن ينتصر العقل.. ويأتى هنا السؤال الأكثر أهمية كيف انتصر العقل؟ بكل بساطة وشفافية عندما لا تجد أى إجابة عن التساؤلات التى جعلت منك شخصا غير متزن نفسيا فهنا قد انتصر العقل.. لأن من الطبيعى أن أى موقف يحدث فى الواقع يكون له أسباب ونتائج فإذا لم تجد أى إجابة تشبع بها رغبتك ونفسك أولا، فهنا انتصر العقل فى ترجمه الحدث.

شدة وحدة الألم النفسى الذى تشعر به سوف يجعل منك شخصا متوحشا، وفى نفس الوقت ضعيف جدا، سوف تفعل كل ما بوسعك لكى تتفادى هذا الألم، وكلما اشتد الألم كلما زادت رغبتك فى التخلص، وهنا تصدق مقولة “تألم حتى تشفى”، لأنه لا يوجد إنسان على وجه الأرض يريد أن يتعذب أو يشعر بإهانة أو أى ألم، وبما أن قوة الالم تشتد فهى تصل الى اقصى درجة من درجات ضعفها داخلك حتى تتلاشى.

 

ننتقل فيما بعد إلى النقطة الأقل حدة فى الألم، وهى التأقلم والتعايش والرجوع إلى حياتك السابقة، تبدأ فى العمل بشكل أكثر وأعمقـ بحيث لا يكون لديك وقت لكى تنفرد بنفسك التى تحاول جاهدا أن تصدق ما فرضه العقل عليها من إجابة، وتكون هذه المرحلة صراع أيضا، ولكن من نوع آخر، كأنك تحاول تثبت لنفسك أنك شخص ناجح وقوى وقادر على التقدم وأنك غير فاشل أو شخص غير مرغوب فيه أو ضعيف بالعكس تماما، فتبذل جهدا مضاعفا بل أضعاف ما كنت تقوم به قبل ذلك، وللأسف هذا أيضا لا يشبع رغباتك، فتبدأ أن تبحث عن أى مهارات داخلية وتكتشفها، أو هواية كنت تمارسها وتوقفت عنها، مثل الرياضة تبدأ من جديد أن تمارس بعض الألعاب الرياضية، ومع الوقت شكلك الخارجى سوف يتغير للأحسن، وبالتالى ثقتك فى نفسك تكون فى تزايد، وكأنك تقول لها: “أنا قادر.. أنا ناجح.. أنا هكمل”.. كل هذه المحاولات هى مجرد تسكين وتخفيف للألم، أو بمعنى أدق تلاشى الألم وبدأت مرحلة أكثر قوة وخطورة، وهى سؤال النفس ومراجعتها "هل أنا على صواب أم على خطأ؟ 

ويأتي هنا دور العقل مرة أخرى، لكى ينتصر على النفس هل من إجابة لماذا حدث ذلك؟ بالطبع لا، لا توجد إجابة، سوف نلاحظ هنا أن شدة وحدة الالم تتلاشى بعنصريين أساسيين، هما العمل والاجتهاد فيه ومواجهة الألم نفسه، وليس الهروب منه، تستوقفنى هنا عبارة “احترم حزن قلبك”، من حق أى شخص أن يحترم مشاعره جيدا، ويواجهها ويقدرها ويعطيها الوقت الكافى لكى تستطيع أن تفرز مشاعر الغضب والحزن بكل الطرق، لأن مشاعر الألم من أكثر المشاعر قسوة، والتى لا يرغب الإنسان فى أن يشعر بها مرة أخرى، ويحرص كل الحرص على أن يتعافى منها بكل الطرق، وهنا أيضا تصدق مقولة “تألم حتى تشفى”.

وننتقل إلى المرحلة الأكثر هدوءا، وهى المرحلة التى يبدأ الشخص نفسه فى ترتيب أولوياته، وأيضا فى تخطيط حياته ومستقبله بطريقة مختلفة، وإعادة برمجة عقله بشكل أفضل، وهنا يطرح سؤالا آخر “ما هو شعورى الآن؟”، وتكون الإجابة هنا أكثر حكمة ونضج واختلاف فى نظرة الأمور، وهى عدم الرجوع الى الخلف والاستمرارية فيما أنت عليه... وإذا وصل الشخص إلى هذه النقطة ويكون على اقتناع كامل بها، نستطيع أن نقول إنه وصل إلى درجة التعافى، وهى درجة من درجات الشفاء وليس الشفاء التام، ولكنه بدأ وتنقّل فى مراحل الشفاء، ووصل لدرجة قوية فى أنه يستطيع أن يكمل الباقى بكل هدوء وسلام نفسى داخلى، قادر على أن يخلق منه شخصا جديدا ومختلفا نهائيا عما كان.. لأن الألم يحتاج لقوة شخصية وإرادة وعقل ناضج قادر على مواجهة الأمور بشكل سليم.

تابع مواقعنا