«فخر العرب» و«القرون»..!
لست من أولئك الذين يقدسون محمد صلاح وينزهونه عن أي خطأ أو زلل، ولا من هؤلاء الذين يمسكون له السياط ويتربصون به الدوائر ليدخلوه في دائرة السوء ويشيطنوه، فصلاح من وجهة نظري ليس ملاكا أو شيطانا، ومن الوارد جدا أن لا تعجبك مواقف له، ومن الطبيعي جدا جدا أن يخطئ في تصرف أو موقف، فصلاح ليس نبيا ولا معصوما.
لكن من غير الطبيعي أن تبلغ بك السذاجة والبلاهة والتفاهة الحد الذي يجعلك تلوك كالببغاء وتلعن جدود صلاح لمجرد أنه أجرى زيارة لمجموعة أطفال في أحد المستشفيات الإنجليزية رفقة زملائه بنادي ليفربول والتقط معهم صورة! فمنذ الأمس وصفحات الكتائب الإلكترونية الموجهة والممولة، ومن ورائهم منعدمو الوعي والفكر يستخدمون هذه الصورة في إهانة «صلاح» والحط من شأنه واصفين إياه بـ «ذي القرون»، في وقاحة وسفالة منقطعة النظير، وهنا أوجه سؤالا ملحا لهؤلاء المسيئين: "ما الخطيئة التي ارتكبها محمد صلاح حتى يتعرض لهذا الهجوم غير الأخلاقي والسباب والشتائم غير المبررة؟".
ولوضع تصور أو تفكير في مبرر -غير منطقي- لهذه الحملة الشعواء، اسمح لي أن ترجع بذاكرتك لنحو ما يربو قليلا عن شهرين منذ الهجمة الإسرائيلية العنيفة التي شنها بني صهيون على أشقائنا في فلسطين، حيث اعتقد البعض أن موقف «فخر العرب» كان مخيبا للآمال بعض الشيء، خاصة بعد أن ظل ملتزما للصمت حوالي اثنا عشر يوما، حتى خرج ببيان دبلوماسي أكبر منه متعاطف مع القضية.
الحقيقة أنني نفسي غضبت من «صلاح» -في البداية-، خاصة أن البيان لم أشعر فيه بحرارته عندما يتحدث مثلا عن انتهاك حقوق القطط، أو وفاة الملكة إليزابيث، أو أي أمر يتعلق بالمواطن الإنجليزي، لكن في الوقت نفسه كان مؤثرا، خاصة أنه تحدث عن معاناة المصابين في غزة، وضرورة توفير الماء والغذاء والدواء لأهالي القطاع فورا، فضلا عن أنه تبرع بمبلغ مالي كبير للأشقاء الفلسطينيين عن طريق الهلال الأحمر، لم يعلن قيمته.
وبالعودة إلى أول جملة في خطاب صلاح «ليس من السهل أبدًا الإدلاء بتصريحات في مثل هذه الأوقات العصيبة»، وإلى قوانين بريطانيا "دولة المستعمرات الكبرى"، التي تعاقب كل من يتعاطف مع حماس أو غزة بدرجات متفاوتة تشمل الفصل من العمل وتصل إلى السجن، فضلا عن النبوذ الاجتماعي وإلصاق تهمة الإرهاب به، وقد رأينا ذلك واضحا جليا بالأمثلة الحية، إذا دققنا النظر في هذين الأمرين بعين التجرد والإنصاف؛ نستطيع أن نعلم لماذا تأخر محمد صلاح «فخر العرب» اثنا عشر يوما حتى تحدث عن أشقائه في فلسطين، ولماذا خرج بيانه بهذا التوازن والطريقة شبه الدبلوماسية.
فالرجل أنكر المجازر بقلبه وبلسانه بل وبأمواله التي تبرع بها، إذًا وبعد كل هذا الدعم المؤثر والكبير لأشقائه في غزة، فليس هناك ما يعيبه عندما يسجل أي موقف إنساني خلال تواجده في بلاد الإنجليز، بل إن الإسلام أمر وحث على ذلك، وهنا أذكر الأبواق التي تهرف بما لا تعرف، أو تعرف ويحرف أصحابها الكلم عن مواضعه لأغراض واضحة تتمثل في إهانة أي رمز لا يتوافق مع أفكارهم الخبيثة بقول الله تعالى: «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ».