الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

هوامش ندوة صندوق النقد

الإثنين 15/يناير/2024 - 09:05 م

تابعت الندوة الهامة التي نظمها صندوق النقد الدولي بالتعاون مع الحكومة المصرية، أمس، حول أولويات السياسة لبناء القدرة على الصمود ودعم التحول الاقتصادي، والتي استهدفت تبادل وجهات النظر والالتقاء بصانعي السياسات لمناقشة تعزيز حيوية القطاع الخاص ودعم أنظمة الحماية الاجتماعية، وتعزيز مشاركة الشباب والمرأة والتحول للأخضر.

خلال المناقشات استوقفني ما طرحه طارق توفيق، رئيس غرفة التجارة الأمريكية، الذي تحدث تحديدا عن عدم تزامن الطفرة الحالية في التنمية (مع أهميتها الشديدة) مع دور أوسع للقطاع الخاص وضرورة دعم سياسات تلافي ذلك مستقبلا، بما يدعم خطط النمو ويساعد على استقرار الاقتصاد الكلي.

كذلك استوقفتني كلمة الدكتور محمد معيط وزير المالية، الذي تحدث بدوره عن صعوبات التمويل الدولي خلال الفترة الحالية بسبب التوترات الجيوسياسية وتبعات ذلك على الاقتصادات الناشئة، مطالبا بمرونة في هذا الشأن، مستعرضا نجاح حكومته في الحفاظ على مؤشرات اقتصادية متوازنة.

الجزء الأهم في حديث الوزير جاء عندما تطرق إلى حرص الحكومة على مراعاة الأولويات التنموية في رسم سياسات وبرامج لصالح المواطنين والعمل على مد مظلة الحماية الاجتماعية، لتخفيف حدة الأعباء التضخمية خاصة على الفئات الأكثر احتياجًا.

الإشكالية التي لم يشر لها الوزير رغم وضوحها الجلي تكمن في استمرار سياسة الحكومة المالية التوسعية "الهيمنة المالية"، في الوقت الذي ترتفع فيه قيمة الديون وتتزايد معدلات التضخم، دون أي اكتراث إلا بفكرة تخفيض عجز الموازنة عن طريق رفع الرسوم وأسعار الخدمات، بما فرض على المشهد وضعا مشابها لأزمة الثمانينات التي كانت فيه الحكومة هي اللاعب الأوحد والأهم في المنظومة الاقتصادية.

وتمثل الهيمنة المالية Fiscal Dominance، حالة اقتصادية تحدث عندما تكون مستويات الدين والعجز في بلد ما مرتفعة بحيث تتوقف السياسة النقدية عن كونها أداة فعالة للسيطرة على التضخم، وهو التوصيف الدقيق لحالتنا خاصة وأن السياسة المالية المصرية لا تتمتع بقدرة إنفاق بسبب ضعف المكون التشغيلي الاقتصادي ومحدودية الموارد.

فلم تعد السياسة النقدية المعني بها البنك المركزي قادرة على التأثير على حجم العجز في ميزانية الحكومة، لأن المركزي صار مجبرا على إتباع ما يعرف بالسياسات الاستيعابية لتلبية احتياجات الحكومة من الاقتراض عن طريق الاستمرار في إصدار الديون، بما يفرض هيمنة السياسة المالية وتحكمها في السياسة النقدية.

‏ويخلق هذا الوضع ما يعرف بالـ Monetary seigniorage، حيث تجري عملية استبدال الدين السيادي باستمرار من قِبل البنك المركزي، مما يسمح للحكومة بالاقتراض دون الحاجة إلى السداد، ويجعلها تتعامل مع هذه الأموال على أنها إيرادات سيادية يتم الحصول عليها بشكل روتيني، ويساهم ذلك بشكل مباشر في اتساع المعروض النقدي.

ورغم أن ذلك قد يساعد تركيز الحكومة الكبير على تحقيق مستهدفات الإنفاق، إلا أن الأثر المجتمعي والاقتصادي لهذه السياسات عاصف، فعندما تتمتع الحكومة بقدرة شرائية متزايدة يكون ذلك على حساب القوة الشرائية للعامة، بما يجعل المواطنين فريسة لما يطلق عليه مجازا "ضريبة التضخم"، فيكون الناتج الطبيعي فقدان القوة الشرائية، وتراجع الثروة، ناهيك عن التضخم المزمن والديون المستدامة.

ومشكلة مصر الآنية، تنضم لمشكلات تواجهها الأسواق الناشئة بجدارة، فقد شهدت هذه الأسواق تحديدا ارتفاعا كبيرا في مستويات الديون، بما رفع قيمة الديون الحكومية العالمية إلى نحو 90 تريليون دولار أو 100% من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كانت تتراوح بين 30% و40% من الناتج المحلي الإجمالي في التسعينيات، بحيث أصبح لأي تغيير في تكلفة رأس المال تداعيات كبيرة.

وهذا الأمر رتب بالتبعية دورة كبيرة من التعثر على مستوى الدول النامية شهدته دول مثل لبنان وزامبيا واثيوبيا، فيما تعاني من تبعاته دول كثيرة منها مصر وتونس والأردن، حيث شهدت هذه البلدان اتساع فيها الفجوة التمويلية بشكل كبير.

وعليه، فإن الحديث عن "الصدمات الخارجية" في تبرير الأزمة الداخلية قد يكون أمر واقعي، إلا أن المشكلة لا تكمن في الصدمة، بل في "ادراك اللحظة" وقدرة الاقتصاديات الناشئة على التحرك سريعا والتنسيق الكامل بين سياستها النقدية والمالية بالشكل الذي يكفل القدرة على الدخول في دورات تشديد نقدي حين يتطلب الوضع ذلك.

ولن تحدث هذه العملية بشكل سليم دون إتباع الأساسيات المتعارف عليها، ومنها وحدة الموازنة العامة على المستوى المالي، أما على المستوى النقدي فيجب أن تتمتع البنوك المركزية بقدر من الاستقلالية ولا تتبع سياسات استيعابية في أوقات تتطلب التشديد.

وبخلاف ذلك فنظرية "الطائرة الورقية" سوف تكون حاضرة بقوة، حيث تظل الدول الناشئة ومن بينها مصر دائما تحت رحمة التقلبات الخارجية.

تابع مواقعنا