محو معالم أسقف مسجد أبو العباس| بناها معماري إيطالي وهدمها مقاول إسكندراني.. وقرار من إدارة التراث
في ربوعه تجد السكينة، وعلى أركانه تلمح عراقة تاريخه، ووسط تجلي روحانياتك في حضرة الإيمان وما تراه أمامك من جمال، ترفع عينيك في لحظة للدعاء فتندهش من روعة البناء.. هذه الحالة عرفها وشعر بها كل من دخل مسجد أبو العباس المرسي، أحد أشهر مساجد الإسكندرية وأقدمها وقبلة لزوار أولياء الله الصالحين، والذي يحمل قيمة كبيرة فى قلوب الجميع حتى أن اسمه صار قسمًا بين بعضهم.
جدل حول محو نقوش سقف المسجد
اليوم ووسط حالة كبيرة من الجدل، فقد هذا المسجد العريق واحدة من أهم علاماته التراثية، وهي أبرز أسقفه التي صممها المعماري الإيطالي الشهير ماريو روسي، والذي قضى 16 عامًا من ريعان شبابه في بناء المسجد وما حوله بميدان المساجد، فأصبح تحفة معمارية على الطراز الأندلسي بُنيت بقرار مباشر من الملك فؤاد الأول عام 1927.
البداية كانت بنشر محمد عادل الدسوقي، أحد القائمين على مبادرة انقذوا الإسكندرية، منشورا عرض فيه صورة منقولة من أحد المصورين عن إزالة معالم سقف صحن المسجد العريقة، قائلا: المعلومات المتوفرة لحد دلوقتي إن المقاول حطم الزخارف الجصية للسقف الرئيسي للمسجد، سقف الشخشيخة.. مسحها بالكامل، بالمطرقة والأزميل، دون توثيق، دون دراسة بعيدا عن عين أي حد، وشال السقالات.. خلاص كدا؟.
المسجد لم يكن مجرد مبنى فريد صممه بدقة المعماري الإيطالي؛ الذي كان يعمل وقتها فى وزارة الأشغال المصرية ويشرف على القصور الملكية، ولكنه درس فنون العمارة الإسلامية حتى يخرج المسجد العريق بشكله الحالي، ما كان سببًا أن يطلق على الإسكندرية عاصمة السياحة الدينية، لأنه كان بداية ظهور العمارة الإسلامية الحديثة في مصر.
الدكتور إسلام عاصم، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر والإرشاد السياحي، كتب تعليقا على ما حدث أنها كارثة تبرهن ما وصلت الإسكندرية إليه، قائلا: عليه العوض.. تحدثنا كثير عن ضرورة الترميم والعناية بالتراث.
فيما قال حسام عبد البسيط: من يومين كنت هناك وشوفت الكارثة بكافة معايير الترميم وعمل المرمات ومقاولين الهدم.. أصلا ده مش شغل ناس بتفهم، ده شغل ناس بتخرب التاريخ والتراث، وقد تواصلت مع الجهات الحكومية المعنية لوقف هذه المهزلة والتحقيق فيها ومحاولة إعادة الشيء لما يشبه أصله، مؤكدا أن مسجد أبو العباس المرسى غير مسجل في الآثار ولكنه مسجل في قوائم التراث المعماري المميز في محافظة الإسكندرية.
قرار ترميم المسجد
في شهر إبريل من العام الماضي أعلن اللواء محمد الشريف، محافظ الإسكندرية، عن بدء مشروع تطوير ساحة المرسى أبو العباس ميدان المساجد، وذلك في ضوء استراتيجية التنمية الشاملة للاهتمام بالعناصر ذات القيمة التاريخية المتميزة، مشيرا إلى أن ميدان المساجد لم يتم تطويره منذ عام 1943، وسيتم تطويره بتكلفة مقترحة نحو 271 مليون جنيه، ومدة التنفيذ 24 شهرًا.
ومع استمرار فتح المسجد في ظل أعمال الترميم، اكتشف الأهالي فقدان سقف المسجد نقوشا عربية فريدة ولمسات من الأرابيسك والفسيفساء، والذي كان محمولا على جدران منقوشة بالأحجار الاصطناعية والزخارف من الرخام الأبيض والقطع المغطاة بالموزايكو.
قرار بوقف المقاول
وبعد انتشار صور الترميم اليوم، قررت إدارة التراث بمحافظة الإسكندرية إيقاف أعمال مقاول ترميم سقف مسجد أبي العباس للفحص وتشكيل فريق من المتخصصين لضمان الحفاظ عليه، مؤكدين أنه قام بترميم سقف المسجد دون الرجوع إلى الفنيين والمختصين في أعمال ترميم المنشآت التراثية، وجارٍ اتخاذ كافة الإجراءات القانونية تجاه أي مخالفات تمت في هذا الشأن.
مسجد أبو العباس
مسجد أبو العباس المرسي واحد من أبرز معالم حى المساجد فى منطقة الأنفوشى، وأهم المزارات الإسلامية خاصة لأبناء الصوفية، وذلك لأنه سمي نسبة لأبو العباس المرسي أحد أشهر تلاميذ الشيخ أبو الحسن الشاذلي، شيخ الطريقة الشاذلية، والذي أكمل طريقته فى نشر علوم الدين.
بناء المسجد يرجع لعام 1281 ميلاديا وهو تاريخ وفاة أبو العباس، حيث احتفظ تلاميذه برفاته في مقبرة صغيرة أمام الميناء الشرقي بالإسكندرية، وظل الوضع هكذا حتى عام 1307 م، حيث تطوع كبير تجار حي بحري بالإسكندرية حينها الشيخ زين الدين القطان، ببناء ضريح يحمل رفات أبو العباس ومسجدًا، ومر المسجد بعدها بعدة مراحل للترميم والتوسعة، حتى جاءت الطفرة التاريخية بأمر من الملك فؤاد الأول بتوسعة المسجد وإنشاء ميدان المساجد على مساحة 3000 متر مربع وأسند هذه المهمة للمعماري الإيطالي ماريو روسي.