بعد عودتها من الأوسكار.. نادين لبكي: كفر ناحوم له أهداف ثورية.. ولا أبالي للنقاد (حوار)
تحكي نادين لبكي لـ”القاهرلة 24″ قصة فيلمها “كفر ناحوم” الحائز على 23 جائزة دولية، والصاعد لقائمة أوسكار المختصرة قبل أن تُحسم لصالح فيلم”روما”، بدءَا من دوافعها لتناول قضايا المهمشين، مرورًا برحلتها واختيار أبطال فيلمها من واقع مهمش يحاكي قصص أبطال السيناريو، والمفاجئات التي واجهتها أثناء التصوير في منطقة شعبية مهمشة، ووصولًا إلى خططها المستقبلية حيال فيلم “كفر ناحوم” وأبطاله.
وفي حوارنا معها سردت لبكي كيف كان لفيلمها كفر ناحوم أهداف ثورية تهدف لمعالجة قضايا مجتمعاتنا العربية بالصدمة، وتسعى لإحداث غضبة في نفوس المشاهدين كي يقوموا بدور حيال هؤلاء المهمشين، أو على الأقل يكفوا النظر إليهم نظرة دونية، وكيف أن أمومتها وخوفها على نجليها وليد وميرون دفعها لمساندة قضايا الأطفال المهمشون.
وفي إطار ردها على الانتقادات اللاذعة التي وجهها لها النقاد على المستوى العربي ردت لبكي قائلة: “لا أبالي لآراء النقاد السلبية لأن “كفر ناحوم ” أدى الدور المرجو منه تمامًا، وعكس الواقع كما هو من دون تزييف أو إضافات، أما من لا يريدون مشاهدة الحقيقة، فهذه مشكلتهم وليست مشكلة الفيلم”، ثم تطرقت إلى خطتها المستقبلية حيال الطفل زين، وحيال الفيلم وأبطاله، وإلى نص الحوار:
قصة كفر ناحوم
تعني “كفرناحوم”، الجحيم، وقصدت بها نادين لبكي حزم البؤس التي تتجمع في المناطق المهمشة، تم تصوير الفيلم في منطقة النبعة والكرنتينا والكولا وسوق الأحد، بالقرب من مكب النفايات، وسجن رومية بلبنان، وهناك في هذه المناطق المهمشة سجل أبطال الفيلم مشاهده المحاكية لواقعهم تماما، حتى أصبح كفر ناحوم الفيلم الأكثر نجاحًا والأكثر جدلَا أيضًا، لما به من وقائع ميلو درامية متلاحقة.
وتدور أحداث فيلم الدراما الواقعية “كفر ناحوم” حول المشكلات التي يسببها الفقر والتهميش، إذ يصور الفيلم أجواء منطقة تعاني من أزمات سياسية واجتماعية طاحنة، ويحكي عن مشكلات المهمشين على رأسها الطفولة المهملة في الأحياء الفقيرة، من خلال تتبع حياة البطل زين وهو طفل قرر التمرد على والديه اللذين رفضا إرساله للمدرسة، وعلى نمط الحياة التي يخضع له، وبلغ غضب الطفل المتمرد ذروته عندما أقدم والداه على تزويج شقيقته الصغرى في سن الـ11عامًا، والتي حاول دون جدوى منع تزويجها لكنه لم يفلح لتموت بنهاية الفيلم بنزيف؛ جراء الزواج ثم الحمل في سن مبكرة.
يهرب زين ويلجأ إلى راحيل وهي إثيوبية لا تمتلك أوراق إقامة بلبنان، والتي تستغل وجوده معها ليقوم برعاية طفلها لتتمكن من العمل، ثم تختفي راحيل بعد أن يتم توقيفها لعدم حصولها على أوراق إقامة من الكفيل ويضطر للاعتناء بطفلها، وتظهر مجددًا في المحاكمة التي ترد بأول مشاهد الفيلم.
يبدأ الفيلم بصرخة الطفل زين بقاعة محكمة، بعد أن يقوم بطعن زوج أخته الذي تسبب في وفاتها؛ كما ينتهز فرصة وجوده بقاعة المحكمة ليقاضي والديه لأنهما جاءا به إلى الحياة، وعرضاه لهذه الظروف المأساوية، وذلك في حبكة ابتكرها صناع الفيلم الذين التزموا بنقل حقائق شهدتها مخرجته وعاشها الكثيرون من أفراد طاقم التمثيل في واقعهم، إذ عمدت لبكي في الفيلم على اختيار أبطال عاشوا حياة مشابهة للأدوار التي قاموا بها.
“روما” و”كفر ناحوم” لا يمكن أن يوضعان في نفس الخانة
علقت نادين لبكي على نيل فيلم “روما” جائزة الأوسكار، بأن روما وكفر ناحوم لا يمكن أن يوضعان في نفس الخانة، ففيلم كفر ناحوم هو مدرسة سينمائية من نوع آخر، تنقل الواقع كما هو من دون تجميل أو تزييف أو إضافات، وهي مدرسة لها أهداف اجتماعية وإنسانية من منطلق الإيمان بارتباط الفن بالواجبات المجتمعية.
مضيفة أن “روما” الحاصل على “الأوسكار” فيلم جيد جدا، وأن بطله متميز على المستويين الفني والإنساني، لكن فيلمها كفر ناحوم لا يمكن أن يتنافس معه.
وبسؤال لبكي عن نتائج سباق أوسكار قالت: “راضية تماما عن فيلم كفر ناحوم؛ حتى وإن لم ينل جائزة الأوسكار، وأظن أنه حقق الهدف المرجو منه تمامًا، زرعنا أنفسنا في واقع المهمشين.. ولم نكن نمثل”.
وتحدثت لبكي عن أن هدف فيلمها “كفر ناحوم”، أن يكون الفن مرآة للواقع، قائلة أنها وفريقها تعمدوا زرع أنفسهم كفريق عمل في منطقة يعيش بها مجموعة من الفقراء والمهمشين، فكان هؤلاء الفقراء جزء من مهمتهم.
وأن طاقم الفيلم ترك الأمور تجري على طبيعتها، فـ المصورون استخدموا كاميرات يدوية طوال الفيلم لنقل الصورة من دون مؤثرات، حتى أن مهندسي الصوت لم يقوموا بجعل مناطق التصوير صامتة صماء؛ بل تعايشوا مع واقع المنطقة كما وأصبحوا جزء منه، رغم تسبب ذلك أحيانًا في وقوع مشكلات تقنية في الصوت أو الصورة.
واقع المهمشين أسوأ من الـ”ميلو دراما”
وجاء رد لبكي على آراء النقاد السلبية حيال فيلمها بأنه يفتقر إلى المقومات الفنية في حين يعتمد على الـ”ميلو دراما” والمغالاة في الانفعالات والعواطف للعب على مشاعر المشاهدين، أنها لا تبالي لهذه الآراء السلبية، بل تعمدت وفريقها أن يعكسوا الواقع كما هو من دون تزييف أو إضافات، وأن واقع هؤلاء المهمشين أسوأ بكثير من الـ”ميلو دراما” التي لم تنل إعجاب النقاد، وأن من يغض الطرف عن هذه القضايا، فالمشكلة لديه وليست لدى الفيلم، وأضافت أنها مؤمنة بأن للفن مسئولية إجتماعية وإنسانية، وأنها راضية تماما عن الفيلم.
“أسعى لخلق مدرسة سينمائية ثورية تعالج مشكلات المجتمع بالصدمة”
واسترسلت لبكي في حديثها عن آراء النقاد، بأنها تسعى لخلق مدرسة فنية تعالج من خلالها مشكلات المجتمع بالصدمة، والمواجهة، وأن “كفر ناحوم يعد صرخة في وجه الأنظمة وفي وجه المسئولون عن ضحايا التهميش والفقر، حتى إن لم ينال ذلك إعجاب النقاد.
وأكدت لبكي أنها لا تبالي لبعض الآراء السلبية، فإلى جانب تلك الآراء السلبية هناك العديد من الآراء الإيجابية، وإلا لم يصعد الفيلم لقائمة أوسكار المختصرة، ولم ينال 23 جائزة دولية.
فكرة الفيلم انطلقت من مسؤوليتها كأم
وأكدت لبكي أنها استلهمت فكرة الفيلم من إحساسها بالمسؤلية كأم تشعر بالقلق حيال أطفالها، وأنها لم تستطع غض النظر عن مشكلات الأطفال؛ لذا قررت أن تستفيد من موقعها وشخصيتها حتى قررت تغيير الواقع ومن هذا المنطلق جاء فيلم كفر ناحوم بكل هذا الزخم حتى يحدث ثورة في أذهان المشاهد؛ وتعتبر لبكي كفر ناحوم بمثابة صرخة ثورية وردة فعل مقاومة ، تهدف لتحريك الرأي العام وتغيير المجتمع.
معظم المشاهد أضيفت أثناء التصوير لأن الفيلم عكس تجارب أبطاله
وأشارت لبكي أن الزخم والتصارع في أحداث الفيلم، صنع نفسه؛ لأن كثير من المشاهد فرضت نفسها أثناء التصوير فاضطرت لإضافتها إلى السيناريو، فحزم البؤس التي نقلها الفيلم وعاب عليها النقاد نتاج تلاقي تجارب الأبطال فكل منهم أضاف جانب من تجربته إلى الفيلم، فضلًا عن المشكلات التي أوحت بها منطقة التصوير.
لكون قضايا المهمشين متداخلة ومترابطة، فيمكنك في المنطقة ذاتها أن تلتقي شخص اضطر لارتكاب جريمة، وآخر أجبر على الهجرة غير الشرعية، وفتاة أو عدة فتيات بيعوا كقاصرات تحت مظلة الزواج، فالطاقة والحالة التي صنعها الفيلم، سمحت بهذه المرونة وهذا الزخم في التناول.
وأضافت نادين، أن التصوير استغرق نحو 500 ساعة، وبأسلوب واقعي وتلقائي، وأن أول نسخة بعد المونتاج الأولي كانت 12 ساعة، وأنه من الصعب عليها حذف كل هذا الكم من المشاهد.
أبطال الفيلم لديهم مسؤولية حيال مشكلات عانوها لدى أدوها بتلقائية، واستغرقت رحلة البحث عن أبطال الفيلم 6 أضعاف وقت التصوير، بحسب تادين إذ كلفت لبكي 6 من فريق عملها للبحث المستمر، لكن وفور الحصول على الأبطال انطلق العمل بطاقة فاقت الجميع، فسرعان ما اقتنعوا بتأدية أدوارهم أمام الشاشات وكأن كل منهم لديه مسئولية، ويريد أن يصل صوته للعالم.
فعملية تصوير استمرت لنحو 9 أشهر، لكن البحث عن أشخاص حقيقيين يواجهون الصراعات نفسها ولديهم الخلفية ذاتها لشخصيات الفيلم استغرقت 3 أعوام كاملة.
لست خائفة من ردة فعل الجمهور
وعلقت لبكي على ردة فعل الجمهور بأنها ليست خائفة بل متفائلة، لأن الفيلم حقيقي 100%، بدءًا من التصوير البسيط والإضاءة الطبيعية، ومرورًا بالفرش والحوائط؛ كما أن سكان هذه المناطق كانوا جزء من مهمة القائمين على العمل، وأضافت أن الإقبال على الفيلم أكثر من إيجابي، رغم انتقادات وملحوظات النقاد.
بعض المشاهد آذتنا نفسيا وتوقفنا عن التصوير
استرسلت لبكي في الحديث عن أشد المشاهد إيلامًا لها؛ فكان أولهما مشهد الطفل زين وهو يحاكم والديه لأنهما أتيا به للحياة، لترد الأم بأنها أيضًا ضحية الفقر، فتجول عين نادين محامية الطفل زين بينهما بغصة بدت في حلقها، وكأنها في حيرة من أمرها لأن كلاهما ضحية المجتمع.
وثاني هذه المشهد مشهد الطفلة سهر التي يتم إجبارها على الزواج في سن الـ11 عامًا، وملاحقة شقيقها زين لها بغية انقاذها، لكنه لم يفلح، فسكان منطقة النبعة المطلين شرف منازلهم لمشاهدة التصوير بينهم فتيات بيعوا تحت مظلة الزواج جراء الفقر والعوز.
نخطط لتصوير وثائقي عن أبطال كفر ناحوم
وأكدت لبكي أن فريق عملها يستعد الآن لتسجيل فيلم وثائقي، يجري معايشة لحياة أبطال الفيلم مؤكدة أنها تتجه لإنتاج هذا النوع من الأفلام المحاكية للواقع،
استلهمت صرخة الطفل زين من صرخة طفل لبناني
استلهمت لبكي فكرة الفيلم، قبل 4 سنوات، من صرخة طفل يجلس إلى جانب أمه على قارعة الطريق، فكتبت تصورًا يعبر عن صرخة هذا الصبي ضد الكبار، وقررت العمل على هذا الموضوع، بدافع إحساسها بالمسؤولية حيال أطفال المناطق المهمشة، لذا افتتحت كفر ناحوم بصرخة الطفل زين في المحكمة.
أبطال واقعيين
وبحسب نادين أدى أدوار البطولة أشخاص خرجوا من بيئات مشابهة لسيناريو الفيلم؛ فعكسوا واقعهم، إذ جسد دور الطفلة “يوناس” فتاة إثيوبية تدعى (تريجر) لأب وأم ليس لديهم أوراق إقامة ويبحثون عن كفيل، وفي الوقت الذي كان فيه الطفل “يوناس” يفتقد وجود أمه راحيل في الفيلم كان والدا تريجر في أحد أقسام الشرطة بلبنان، بسبب عدم حصولهم على أوراق إقامة.
وكذلك الطفل زين؛ فهو لاجئ سوري، انتقل من مدينة درعا السورية إلى لبنان وحرم من فرصة استكمال تعليمه لفقدان والديه أوراقه جراء الحرب، وحرم من التعليم فاضطر للعمل لمساندة أسرته.
وكوثر التي قامت بدور الأم، فهي لبنانية تعيش بمنطقة شعبية، ولديها طفل عمره 18 عامًا لا يزال غير مسجل؛ فليس لديه أي أوراق.