ما حكم التعاملات المالية مع من أكثر ماله حرام؟ الإفتاء ترد
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالًا ورد إليها نصه: لدي متجر لبيع السلع الغذائية والأدوات المنزلية، ويسكن في نفس المنطقة شخص مشهور بالسمعة السيئة وباكتساب المال بطرق غير مشروعة، وله سوابق جنائية؛ كالسرقة والنصب وتجارة المخدرات، وإلى جانب هذا فإنه يتكسب أيضًا من مهنة مشروعة، ولكن عائدها قليل فيما يظهر، فهل يجوز أن أبيع له ما يريد شراءه من متجري، في حين أنني لا أعلم إذا كان المال الذي يدفعه لي قد اكتسبه من حلال أم من حرام؟
وقالت الدار عبر موقعها الرسمي في فتوى سابقة: اكتساب المال بالطرق غير المشروعة يعتبر أكلًا لأموال الناس بالباطل، وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29]، ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 188]، وحقيقة الأمر أن جميع الأموال التي يضع الإنسان يده عليها هي ملك لله تعالى وإنما تضاف لملكية الإنسان على سبيل المجاز وما هو إلا عبد من عباد الله قد استخلفه المالك الحق سبحانه في إدارة تلك الأموال على جهة الابتلاء والاختبار؛ قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: 14]، وقال سبحانه: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: 33]، وقال تعالى: ﴿آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد: 7].
التعامل مع من أكثر ماله حرام
وتابعت: أما إذا اختلط حلال المال بحرامه ولم يمكن التمييز بينهما، فلا يخلو الحال من أن يكون مقدار المال الحرام هو الأكثر الغالب، أو هو الأقل، أو يكون قد تساوى حلال المال وحرامه، أو تكون النسبة بينهما مجهولة؛ فما لم يكن مقدار الحرام هو الأكثر الغالب جاز التعامل؛ لأن الظاهر امتلاك الإنسان ما في يده، ولا يُعدل عن الظاهر إلا بعلم أو ظن غالب، ولا يحصل شيء من هذا إلا بتمييز المال الحرام أو بكونه غالبًا على الحلال، أما مجرد الشك أو التكهن فإنه لا يقوى على رفع الظاهر الراجح، كما أن مجاراة الشكوك في مثل هذا الأمر توقع الناس في المشقة والحرج وتعم بها بلواهم فلا بأس حينئذ من المعاملة؛ لأن القاعدة أن "ما عمت بليته خفت قضيته"، و"ما ضاق على الناس أمره اتسع حكمه".
وأضافت الدار: وبناء على ما سبق وفي واقعة السؤال: فإنه يجوز للسائل مع الكراهة أن يتعامل ماليًّا مع جاره الذي يشتبه في أن ماله مختلط فيه الحلال والحرام، ولو كان غالب ظن السائل أن الحرام هو الأكثر فيستحب له اجتناب التعامل معه وليدعه يتعامل مع من لا يرتاب في أمره، وهذا ما لم يكن الأمر يستدعي التعامل لضرورة أو حاجة ملحة، فإنه حينئذ يجوز بلا كراهة.