الإثنين 25 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

نفس الشيطان

الجمعة 02/فبراير/2024 - 02:30 م

من 100 سنة فاتت في دولة كولومبيا وتحديدا في سنة 1922 بدأ الكلام يكتر عن نوعية معينة من الأشجار اسمها أشجار "Borrachero" أو بحسب ترجمتها "أحصل على مشروبك" واللي ظهرت في مدينة "بوجاتو" في المناطق الريفية منها.. لحد هنا تمام بس إيه سبب كُتر الكلام عن الشجرة دي؟.. اللي حصل إن الأمهات بدأوا يلاحظوا إن أطفالهم لما بيقعدوا تحت الشجر ده أو لما بيلعبوا تحته أو جنبه وبشكل أو بآخر بيشموا بذورها أو زهورها البيضاء والصفراء بيحصل لهم حالة من الخمول وعدم التركيز والرغبة المُلحة في النوم اللي بتستمر لكذا ساعة.. الأصعب كمان إن الأطفال لما بيفوقوا من القصة دي بيصحوا مش فاكرين حاجة لحد قبل ما يكونوا عند الشجرة!.. يعني إيه؟.. يعني "حمادة" الكولومبي صحي الصبح وقال لماما أنا رايح ألعب مع أصحابي عند شجرة الـ "Borrachero" الساعة 12 الضهر.. راح.. على الساعة 1 الضهر وهو بيلعب لمس أو شم بذور الشجرة أو أوراقها.. وقع من طوله في غيبوبة أو حس إنه عايز ينام بقوة ونام فعلًا 1 وربع الضهر.. فضل نايم لمدة 6 ساعات وصحي على 7 بالليل.. لما بيصحى بقى مش بيكون فاكر أى حاجة غير لما كان بيلبس الصبح قبل 12 الضهر عشان ينزل!.. موضوع غريب مش كده؟.. غريب ومخيف الحقيقة ولإن الناس البسطاء في كولومبيا وقتها ماكنش عندهم تفسير علمي للي بيحصل بقوا يخافوا من الشجرة دي في المطلق وخلاص.. لكن الأمر شد انتباه عدد من العلماء اللي فاهمين إن لكل سبب فيه سبب تسبب فيه فبدأوا يشتغلوا على القصة دي.. والنتيجة؟.. بعد شهور من الفحص والدراسة توصلوا لمصل اسمه "سكوبولامين" أو اللي معروف بـ "نفس الشيطان" وهو مستخلص من نباتات الشجرة دي.. طب يا جماعة انتم اكتشفتم المصل ده ليه؟.. إيه الهدف يعني؟.. أهو اكتشفناه وخلاص بدون سبب يعني نشوف شيء محتاج محتاج يكتشف ومانعملش كده!.. ده حتى مايصحش.. الفكرة بقى إن العصابات في كولومبيا هي اللي استغلت الموضوع ده.. إزاى؟.. بقوا يستخلصوا المصل من الشجرة -(طبعًا مش بطريقة علمية ولا سليمة بنسبة 100% بس على الأقل بياخدوا عصارة أوراق الشجرة)- ويحطوها على شيكولاتات أو حلويات أو لبان أو حتى يحطوها في بخاخات ويوزعوا أو يرشوا على ضحاياهم عشان يسرقوهم أو يغتصبوهم.. يبقى المجرم من دول حاطط عينه على شقة فيها فلوس أو أجهزة كهربائية فيخبط على باب البيت ويعمل نفسه مندوب أو تايه ويدي اللي هيفتح له حتة شيكولاتة أو يقول له جرب البرفان ده ويديله رشة من المصل إياه ويسيبه ربع ساعة فصاحب البيت بيروح في الوبا وبتبقى الفرصة مثالية للمجرم إنه يدخل البيت ويسرق براحته.. طب ولما صاحب البيت بيفوق؟.. بخ ولا بيكون فاكر حاجة قبل ما يفتح الباب.. الأمر تطور بشكل مؤسف أكتر لما بقى فيه شباب بيغتصبوا بنات بنفس الطريقة.. تعجبه بنت فيحاول يتقرب منها أو يعرض عليها الجواز فترفض فيكون عقار الـ "سكوبولامين" هو الحل سواء مشروبًا بقى أو مشمومًا أو مرميًا على الوش.. يعمل اللي يعمله في بنت الناس وبعدها البنت لما بتفوق مش بتبقى عارفة ولا فاهمة إيه اللي حصل وحصل من مين.. وهكذا.. وعشان الصورة تقرب أكتر خلينا نقول القصة اللي حكاها شاب اسمه "ميل" اللي حكاها في صحيفة "ديلي ميل" عن اللي حصل لعمته فقال: (هذا هو ما حدث  لعمتي، وهى امرأة في أواخر الستينيات من عمرها، حيث قام شخص بتخديرها عن طريق رش مسحوق معين على وجهها وأخذها إلى البنك الدولي حيث  أفرغت له حسابها المصرفي عن طيب خاطر  وبملء أرادتها  وعندما خرجت  لم  تستطيع أن تتذكر ذلك  الشخص).. ده بُعد تاني من الكارثة اللي كانت حاصلة وهي إن فيه ضحايا بيبقوا فايقين بس مش في وعيهم.. يعني الست اتحركت مع المجرم للبنك ومضت على الشيك ونفذت كل اللي أمرها بيه بدون اعتراض وبدون ما تكون واعية.. وخد من ده كتير بقى.. سلسلة من الجرائم المتتالية اللي حكومة كولومبيا ماكانتش قادرة تسيطر عليها بسبب ضعفها.. الأمر فضل مستمر ولحد النهاردة مازال مكمل.. آه قل جدًّا عن من 100 سنة فاتت بس مازال موجود.. لدرجة إن في سنة 2014 وبناءًا على تقرير صدر من وزراة الخارجية الأمريكية حذرت فيه رعاياها من السفر لكولومبيا لإن عقار الـ  "سكوبولامين" استخدامه منتشر وفيه أكتر من 50 ألف كولومبي بيقعوا ضحايا له في السنة الواحدة.. بس ولإن أمريكا بتعرف تستغل الفرص كويس فقررت إنها تستخدم العقار ده في التسهيل على السيدات الحوامل أثناء الولادة أو في التحقيق مع المجرمين اللي مش عايزين يعترفوا لإنهم وبعد تعرضهم للعقار بيجاوبوا على أى سؤال يتم توجيهه لهم.. لما تسمع وتشوف تصريحات لضحايا "سكوبولامين" وتحديدًا من بنات اتعرضوا للاعتداء الوحشي أو ناس اتسرق منهم شقى عمرهم بالطريقة الحقيرة دي هتحس بألم بيعتصر قلبك والألم هيزيد وأنت بتسمع إن الضحايا مش فاكرين ده حصل لهم من مين.. من ضمن الضحايا بنت اسمها "أندريا" قالت جملة صعبة وهي بتوصف الوضع: (النسيان لا يمكن أن يأتي بالإجبار.. هذا ليس عدلًا).


• النسيان مش بمزاجنا.. ياريتها بالسهولة دي إن حد يطلب منك إنك تنسى فتنسى.. "عدم النسيان" هيتشاف عيب وخصلة موجعة من زاوية الأندال اللي عايزين ندالتهم تفضل مستخبية تحت ستار إنها مش مكشوفة، وعدت عليا عادي، أو حتى من مبدأ "يا عم فوّت وطنش ومشي حالك".. لكن الجدعان المتربيين اللي مش بيضروا غيرهم، وبيسندوا، ووجودهم مرتبط باللُطف هيشوفوها ميزة لإنهم مابيعملوش اللي يخليهم يخافوا من ردة فعلي على أفعالهم، وبرضه هيكونوا متفهمين إن نسياني للي مزعلني من غيرهم محتاج ياخد وقته لكنه عمره ما هييجي بالأمر.. إزاي هنسى خيانة، أو إساءة، أو عدم تقدير، أو تخلّي بمجرد طلب؟.. محدش مابينساش، وفي نفس الوقت مفيش حد عايز يمشي وهو شايل فوق كتفه حِمل ذكرى وجعته بس "النسيان" زيه زى كل حاجة في الدنيا بتاخد وقتها وعمرها الافتراضي بالكامل عشان تحصل.. ولما بتحصل؟.. جايز ننسى الألم بس بيفضل الدرس للأبد.

تابع مواقعنا