من ذاكرة مصر - اليهود
قبل حركة الضباط الأحرار كانت مصر بها تجمع من عدة جاليات، وانعكس هذا التنوع على الحياة في مصر في كافة أشكالها، ومصدر نهضة في مجالات عديدة، ثقافي واجتماعي واقتصادي، جاء نتيجة معايشة تلك الجالايات الأجنبية الشعب المصرى وانصهارهم فى المجتمع لأجيال متلاحقة.
ومن تلك الجاليات الإيطالية واليونانية والفرنسية والإنجليزية والأرمنية وغيرها بالإضافة إلى بعض الجاليات العربية وخصوصا السورية واللبنانية، وسوف نسرد سريعا على تواجد اليهود في مصر.
برغم أن التاريخ يذكرا وجود لليهود في مصر من القرن السادس قبل الميلاد، لكننا سنتحدث عن وجودهم من بعد سقوط دولة الأندلس، وبداية ظهورهم في الحياة المصرية عندما استعان بهم محمد علي، وتقديم امتيازات من قبل الخديوي اسماعيل عندما أعطى امتيازات للأجانب تمتعوا من خلالها بإعفاءات من الضرائب وبحرية كاملة، لذلك فى بداية القرن العشرين استطاعوا السيطرة على الأنشطة الاقتصادية بمصر.
ويرجع ذلك إلى التعليم الجيد بمدارسهم، واتباعهم النمط الغربي في حياتهم، وتعلمهم عدة للغات وانصهارهم مع تلك البلاد المنفتحة، وكان غالبيتهم يتقن اللغة العربية وخصوصا الأجيال الأولى منهم، عكس اليهود المهاجرين الذين رفضوا تعلم اللغة العربية برغم ولادتهم فى مصر فلم يكونوا مثل أبائهم منصهرين فى المجتمع المصرى بل حافظوا على عاداتهم وتقاليدهم.
وعلى الرغم من ذلك كان هناك يهود ولدوا وعاشوا مصريين لا وطن لهم سوى مصر، وضد فكرة الصهيوينة تماما.
وسوف نستعرض بعضا من الطوائف اليهودية والتي عاشت في مصر، مثل طائفة القرائين التي كانوا يؤمنون بالتوراة ولا يعتقدون فى التلمود الذى يشرح عقيدتهم.
أما اليهود السفارديم هم الذين طردوا من إسبانيا وقت سقوط دولة الأندلس وجاؤا إلى مصر.
اليهود الأشكناز هم القادمون من شرق أوروبا، لا يريدون تعلم العربية ويعتبرون إقامتهم في مصر بشكل مؤقت، فهم بلا أخلاق ويؤمنون بالصهيونية.
اليهود الربانيون هم غالبية اليهود المصريين الذين يؤمنون بالتوراة والتلمود، وعلاقتهم بالقرائين متوترة طوال الوقت.
لكن من المؤكد أن غالبية اليهود المصريين كانوا يرفضون الصهيونية، ويرونها ضد مصالحهم، برغم محاولات الصهاينة استقطاب الفقراء من اليهود بدعوى اقامة وطن قومى وتوفير حياة أمنه بوطنهم الأم المزعوم.
لكن كان تأثير الصهيونة على المجتمع المصري كبير، مماجعلهم يتعاملون مع اليهود بشكل عام بنوع من الحذر برغم دورهم الكبير فى الحياة المصرية.
وفى مرحلة سابقة كان اليهود وقبل بزوع فكرة الصهيونية يعيشون كمصريين بجانب الأقباط والمسلمين، برغم كما ذكرنا حافظوا على عاداتهم وتقاليدهم وطقوسهم، فأنشئوا البنوك التجارية وأقاموا المشاريع فى كل المجالات وكان منهم عائلة قطاوى باشا رئيس طائفة السفارديم وعضو لجنة الثلاثين أثناء دستور 1923 وعضو مجلس ادارة بنك مصر وعضو بالبرلمان المصرى وصديق سعد زغلول وهذا مثال يدل على كيف كانوا منصهرين فى المجتمع المصرى.
وكذلك عائلة سوارس، وشملا وشكوريل وهانو وموصيرى وغيرهم من العائلات الكبيرة اليهودية والتى كان لهم انشطة تجارية واقتصادية كبيرة فى مصر.
لكن فى فترة تفاقم الصهيونية والإعتداءات على أهالينا بفلسطين، وخصوصا بعد حرب 1948 وهزيمة العرب من اسرائيل، انتاب غالبيتهم القلق وبدئوا فى تصفية اعمالهم والبعض منهم هاجر الى اوربا والقليل سافر الى اسرائيل ومنهم الإشكناز.
ولكن بعد حركة 23 يوليو وخصوصا بعد العدوان الثلاثي ما تبقى منهم أصبح يدرك أنه من المستحيل العيش في مصر، كما قال جاك حسون: (إن عبد الناصر لم يطردهم بل جعل حياتهم شبه مستحيلة).
رسمت في عقلي بعض التصورات ماذا سيكون وضع مصر لو بقى اليهود المصريين حتى الآن، سواء في الوضع الإقتصادي المصري، أو قوة تأثيرهم لما يحدث في غزة من عدوان همجي من إسرائيل الصهيونية، وهل كانت قرارات التأميم التي اتخذها عبد الناصر لو لم تتم كيف سيكون الوضع الآن؟
أسئلة كثيرة وتبقى الأجوبة فرضًا للتوجهات.