المصريون بالخارج.. وتجفيف منابع السوق السوداء
تعتبر تحويلات المصريين بالخارج ثانى أكبر مصدر للعملة الأجنبية بعد التصدير، كما كانت سببا مؤثرا في زيادة حجم الأزمة الاقتصادية المصرية الأخيرة إذ انخفضت قيمة تلك التحويلات بحوالي الثلث مما يقارب 32 مليار دولار عام 2021/2022 إلى 22 مليار دولار في العام المالى 2022/2023.
ولكن قبل أن نسترسل في أسباب الأزمة وطرق معالجتها دعونا نتطرق أولا إلى تاثير تحويلات العاملين بالخارج على الاقتصاد العالمي، إذ اعتمدت كثير من الدول على تلك التحويلات كمصادر للعملة الصعبة، الأمر الذي جعل دولة كبرى مثل الهند تحتل صدارة الترتيب العالمي لسنوات في أكبر الدول المتلقية لتحويلات من العاملين بالخارج في عام 2022 بقيمة بلغت 111 مليار دولار.
وجعل وحش اقتصادى مثل الصين تحتل الترتيب الثالث عالميا عام 2022 بقيمة بلغت 51 مليار دولار، واستاثرت مصر بالمركز السابع عالميا عام 2022 بقيمة بلغت وقتها حوالى 28 مليار دولار.
ووفقا لبيانات الأمم المتحدة يوجد شخص من بين كل سبعة أشخاص يعمل بالخارج تعتمد عليه أسرته وبلده في تلقي تلك التحويلات، الأمر الذى جعل الأمم المتحدة تختار يوم السادس عشر من يونيو يوما عالميا للتحويلات المالية العائلية، ولكن ماذا حدث في مصر لتنخفض قيمة التحويلات بقيمة تقارب العشرة مليارات دولار في عام مالى واحد؟، ومن أين كانت تأتى تلك التحويلات أصلا؟ وما هو توزيع المصريين بالخارج؟ وما هي أكثر الدول تأثيرا في تلك القيم؟.
وبلغت أعداد المصريين بالخارج حوالى 14 مليون شخص، وفقا وتصريحات وزيرة الهجرة، حيث يتركز المصريون بالخارج في 4 دول عربية وفقا والترتيب التالى:
السعودية (حوالى 5 ملايين)، الأردن (حوالى مليونين ونصف)، الإمارت (حوالي مليون ونصف)، الكويت (حوالي مليون مصري)، بما يعنى 10 ملايين مصري في أربعة دول عربية بما يعادل حوالى ثلثى المصريين بالخارج في تلك الدول، الأمر الذي يستدعي حلولا غير تقليدية لمشكلة غير عادية، بالتركيز على تلك الدول الشقيقة إذ خسر اقتصادنا حوالى 10 مليارات دولار في عام واحد بسبب شبكات تحويل الأموال غير الرسمية والتي تعمل بنظام المقاصة عن طريق مندوبين لتلك الشبكات بين الدول المذكورة.
ومن الإجراءات التي يمكن للدولة المصرية العمل عليها ما يلي:
1 – توقيع بروتوكول أمني في مجلس وزراء الداخلية العرب أو بين وزراة الداخلية المصرية ووزارات الداخلية بالدول العربية الأربعة المذكورة يتم بمقتضاه ترحيل أي شخص يستخدم تلك الشبكات، حيث إن التحويلات غير الرسمية تستخدم حصيلة معظمها في جرائم غسل الأموال بخلاف تلأثيرها على الاقتصاد الوطني.
2 – إصدار آلية قانونية تمنع تجديد جواز السفر لكل مصري يستخدم شبكات غير قانونية لتحويل الأموال.
3 – توقيع بروتوكول تعاون بين المركزي المصري والبنوك المركزية في تلك الدول تقضي بتخفيض تكلفة تحويل الأموال داخل القنوات الشرعية لأقل قيمة ممكنة من جانب تلك الدول، ومن الجانب المصري يتم إصدار مبادرات تقوم بمقتضاها البنوك المصرية بتحميل العميل تكلفة التحويل الوارد فقط دون أي مصاريف إضافية.
4 – إتاحة قيام تطبيق الإنستا باى بتلقي التحويلات بالعملة الأجنبية دون عمولة كمباردة مؤقتة للتحويلات الواردة من تلك الدول.
5 – اتخاذ إجراءات قانونية مشددة ضد أي لاجئ في مصر يقوم بالمساعدة في تشغيل تلك الشبكات من بين تلك الإجراءات الترحيل وكذا التحفظ على أمواله داخل مصر حال إثبات قيام تلك الشبكات باستخدام حصيلة التحويلات في غسيل الأموال.
6 - تفعيل آلية مصرفية تمكن المصريين المقيمين بالخارج من فتح حسابات بالعملة وكذا إرسال تحويلات دون اضطرارهم للحضور إلى مصر.
7 – قيام الأجهزة الأمنية داخل مصر بحملات مكبرة تستهدف ممثلي تلك الشبكات في المحافظات.
8 – فتح قنوات تعاون بين الأجهزة الأمنية بمصر وتلك الدول وكذا وحدات غسل الأموال يتم فيها تبادل المعلومات لربط طرفي الشبكات غير القانونية لتحويل الأموال.
9 – عقد بروتوكولات تعاون منفردة بين البنوك المصرية والبنوك وشركات الصرافة بتلك الدول يتم بموجبها تحفير المصريين بالخارج عن طريق تكلفة أقل ووقت أسرع.
10 – تفعيل دور أكبر لفروع البنوك المصرية بالخارج تقوم بمقتضاها بحملات موسعة لفتح الحسابات دون إجراءات معقدة وتلقي التحويلات بأقل تكلفة ممكنة.
إن كلمة السر في حل أزمة التحويلات تتركز في ثلاثة أضلع (تخفيض تكلفة التحويلات – حلول رقمية عملية للتحويلات – إجراءات قانونية مشددة ضد المخالفين).
إن الإجراءات بعاليه لا تعني إجبار المصريين بالخارج على عدم سحب أموالهم من البنوك والتنازل عنها بالجنيه المصري، وهو الأمر الذي لم يتم مع حصائل التصدير رغم كونها أكبر مصدر عملة أجنبية لمصر، ولكنها تعني القضاء على شبكات غير قانونية قامت متعمدة بإيذاء اقتصادنا الوطني مدفوعة من هنا ومن هناك، في وقت أصبح فيه جيش الدولة هو اقتصادها.