وقفات مع شهر رمضان
على مدى أيام وأسابيع، بل على مدى شهور مضت، كنا ندعو الله بقلوب خاشعة، وألسنة ضائعة أن يبلغنا شهر رمضان، سيد الشهور وأعظمها وأفضلها، وكنا نقرن هذا الدعاء بأن يسبغ الله علينا نعمته، ويتم فضله وكرمه، بأن يجعلنا فيه عندما يبلغنا إياه من الصائمين القائمين.
وكنا نطمع أيضا في مزيد كرمه وفضله، إذا بلغنا إياه، وجعلنا فيه من الصائمين القائمين، أن يتم نعمته بأن يجعلنا من المخلصين المقبولين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإن مجرد بلوغ رمضان أيامه ولياليه ليس هو الهدف فى حد ذاته، فقد يبلغك الله رمضان كما دعوت، وتدرك أيامه ولياليه، وما أفضلها وأعظم نفحاتها.
ولكن لا تكون فى عداد من تقرب لله بالصيام والقيام، فيمر عليك الشهر ولا ييسر الله لك أن تشغله بطاعة ترضى بها مولاك عز وجل، وهذا لا يحقق المقصود، وربما بلغك الله رمضان كما دعوت، وجعلك من أهل الصيام والقيام، فأديت الفرض والنفل، ولكن كدر عملك بشائبة الرياء، فلم تكن النية خالصة لوجه الله تعالى، والأعمال بالنيات كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم – ولذلك فإن عملك مردود عليك، وإن لم تخلص فليس لله حاجة في أن تدع طعامك وشرابك، وأن ترهق جسدك قائما أو قارئا للقرآن، فاللهم إنا نسألك الإخلاص والقبول.
وقد أظلنا – بفضل الله – شهر رمضان، فهنيئا لنا به (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا)، وكم من داع دعا مثلك أن يبلغه الله رمضان، ولكن سبق القول منه – سبحانه أنهم لن يبلغوه، فصاروا بقدر الله في ذمة الله، وأخرنا نحن إلى أجل مسمى، فاللهم ارحمهم، وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه.
نعم، نهنىء أنفسنا بقدوم رمضان، ويهنئ بعضنا بعضا، كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتهاجا وسرورا بأعظم مواسم الخير والبر والبركة، ويبشر الصحابة الكرام بذلك، يقول سيدنا أبو هريرة رضى الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه، يقول: (قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم)، قال العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضا بشهر رمضان.
ومن أجل ما فى رمضان من مزيد الثواب والخير والبركة، فقد وصف بالخيبة والخسران، والبعد عن رحمه الله من أدرك الشهر، ولم يعمل من الصالحات ما يكون سببا – بفضل الله – فى غفران ذنوبه، يقول سيدنا كعب بن عجرة رضى الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احضروا المنبر، فحضرنا، فلما ارتقى درجه قال: أمين، فلما ارتقى الدرجه الثالثة قال أمين، فلما نزل قلنا: يارسول الله، لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه، فقفال: إن جبريل عليه السلام عرض لي فقال: بعض من أدرك رمضان فلم يغفر له، قلت: أمين، فلما رقيت الثالثة قال: بعد من أدرك أبويه الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة، قلت: أمين، فهل وعينا الرسالة الإلهية التي أنزل الله بها أمين الوحي جبريل؟، هل وعينا هذا المعنى السامي لاستيقاف سيدنا جبريل لرسول الله على درجات المنبر؟، ثم هل وعينا معنى أن يؤمن رسول الله على هذه المبادئ؟.
علينا أن نعيش رمضان كما أراد الله لنا، وكما سن رسول الله، ليكون شهر مغفرة ورحمة وبر وإحسان.. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.