حفص عن عاصم

فمن هو حفص، ومن هو عاصم؟، وما المقصود برواية حفص عن عاصم التي ارتبطت في أذهاننا نحن المصريين بإذاعة القرآن الكريم وقرائها المتقنين، وعلى رأسهم صاحب الأداء المتقن، والصوت الشجى المهيب، فضيلة الشيخ المحقق محمود خليل الحصرى - رحمهم الله جميعا -.

بداية نقول، إن إذاعة القرءان الكريم، بدأ إرسالها فى 25 مارس 1964، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، لتكون منبرا لخدمة القرآن الكريم وعلومه، وكذا علوم الدين كلها، وكانت ولا تزال تسهم في نشر الوعي الديني بين الناس في العالم أجمع، وتذيع القرآن الكريم مرتلا ومجودا بصوت مئات القراء المعتمدين المتقنين بروايات متعددة، وعلى رأسها الرواية الأكثر انتشارا في مصر، رواية حفص عن عاصم، والتي يقرأ بها أبناؤها، ويحفظون القرآن، وعلى أسس ومبادئ.

هذه الرواية كتبت وضبطت المصاحف المطبوعة المتداولة في مصر، حتى يتوافق المسموع والمقروء، وليس معنى هذا أنها هى القراءة أو الرواية الصحيحة الوحيدة المتواترة للقرآن الكريم، بل هناك قراءات وروايات أخرى صحيحة متصلة السند إلى سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقرأ بها في غير مصر من البلاد الإسلامية، ففى دولة ليبيا مثلا، تنتشر رواية الإمام قالون عن الإمام نافع المدني، وفى بلاد المغرب العربى قراءتهم برواية
ورش عن نافع، وهكذا.
 

الإمام حفص هو: حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدى الكوفى، ويكنى بـ أبى عمر، ولد سنة 90 هـ، وأخذ القراءة عن شیخه عاصم، وكان "حفص" ربيبه - أي: ابن زوجته، وكان
أنجب تلاميذه وأفضلهم، وتلقى القران بسنده عن عاصم إلى رسول الله خلق كثير، فقد كان شيخ قراء الكوفة وأعلم الناس بقراءة شيخه عاصم، كما كان من رواة الحديث الشريف، ولكنه اشتهر بإقراء القرآن وتعليمه، ولشدة إتقانه وأفضليته بین حفاظ القرآن ورواته، قال عنه الإمام الشاطبي، وهو يعدد القراء السبعة ويذكر رواتهم في قصيدته المشهورة باسم: الشاطبية في القراءات السبع: وحفص وبالإتقان كان مفضلا، وذكر الشيخ العلامة: عبد الفتاح القاضي رحمه الله في شرحه لمتن الشاطبية: ويقال: كان حفص أعلم الناس بقراءة عاصم، وقد توفى الإمام حفص، سنة 180هـ.
 

الإمام عاصم: هو عاصم بن أبي النجود الكوفي، وقيل عاصم بن عبد الله، تلقى القرآن عن أبي عبد الرحمن السلمي، وعن أبى مريم زر بن حبيش، وتلقاه هؤلاء على سيدنا "عبد الله 
بن مسعود، وعلى بن أبى طالب" وغيرهم من الصحابة الذين تلقوا القرآن بدورهم عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي تلقاه عن جبريل، وتلقاه جبريل عن رب العزة - سبحانه وتعالى.

وإلى عاصم انتهت رئاسة الإقراء بالكوفة، يقول تلميذه وراويه: أبو بكر بن عياش شعبة، سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول: ما رأيت أحدا أقرأ للقرآن من عاصم بن أبي النجود، وكان عالما بالسنة لغويا نحويا فقيها، وذكر الشيخ عبد الفتاح القاضي في كتابه “تراجم القراء العشرة ورواتهم”: وسئل الإمام أحمد بن حنبل، عن عاصم فقال: رجل صالح خير ثقة، ووثقه أبو زرعة وجماعة، وقال أبو حاتم: محله الصدق، وحديثه مخرج في الكتب الستة.

وقال تلميذه شعبة عنه: دخلت على عاصم فسمعته يردد هذه الآية: ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق، الأنعام 62 وقد احتضر يحققها كأنه فى الصلاة، لأن تجويد القرءان صار فيه سبحية، وتوفى الإمام عاصم - رحمه الله – بالكوفة في أواخر سنة 127 هـ، رحم الله الإمامين حفصا، عاصما، وجزاهما عن الإسلام والقرآن خير الجزاء.

وصدقت یا سیدی یا رسول الله حين قلت: خيركم من تعلم القرآن وعلمه، وختاما نقول: إن رواية حفص عن شيخه عاصم  المنقولة إلينا عن حضرة النبي - صلى الله عليه وسلم بالسند المتصل المتواتر، وهذه الرواية سجلتها الإذاعة المصرية بصوت كبار القراء وعلى رأسهم فضيلة الشيخ محمود خليل الحصري - رحمه الله -، وعلى مدار اليوم كاملا تذيع إذاعة القرءان الكريم برواية حفص عن عاصم، نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.

وعندما تتواصل مع القرآن في شهر القرآن أو غيره تلاوة أو سماعا، لا تبخل على هذين العلمين الجليلين بدعوة صالحة بظهر الغيب، جزاء ما قدماه من خدمة في قراءة وإقراء كلام رب العالمين.. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.