الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

بنات البرشا

السبت 01/يونيو/2024 - 11:03 م

تداول المغردون على مواقع التواصل الاجتماعي خبر فوز بنات البرشا بجائزة العين الذهبية، وتبارى البعض المتيم بمصريته بالفخر والافتخار بفوز فيلم مصري (رفعت عيني للسماء) بجائزة العين الذهبية لأفضل فيلم تسجيلي في مسابقة أسبوع النقاد بمهرجان كان السينمائي، الذى يعد من أهم مهرجانات السينما في العالم، وتسابقوا في التهنئة فرحا بهن، وهم لا يعلمون عنهن شيئا.

مجرد فوزهن يكفي لفرحة المصريين، وكأننا نشتاق إلى الفرحة ونبحث عنها، لتعطينا أمل في أننا نسير في الطريق الصحيح، فرحوا بهن وهم لم يعلموا قصتهن.

كتب الدكتور محمد أبو الغار، رحلة الفرقة منذ البدايات حتى وصلت إلى القمة، رحلة طويلة مليئة بالصعاب، قرأتها مرات عديدة، وكلي فخر وتعجب من إرادتهن وإصرارهن وإيمانهن بهموم مجتمعهن، ورغبتهن في تغيير تلك الأوضاع البالية.

مجموعة من البنات في قرية صغيرة نائية في صعيد مصر، لا يعرفها حتى المصريون الذين يعيشون داخل نفس المحافظة، قررن أن يؤسسن فرقة مسرحية، في قريتهن كانت البداية، وليعرضن كل القضايا المجتمعية التي تعاني منها غالبية الفتيات في مجتمعنا، من زواج القاصرات، والعنف الأسري، والختان، وغالبية القضايا المجتمعية التي تمس تلك الأجيال في مسرحياتهن، وللأسف ليس هناك مسرح بل كانت تعرض في شوارع قريتهن، حتى قام الأب والد تريزا ويوستتينا بإعطائهن دور كامل لمسرحهن.

 وتخيل ما تعرضن له في هذا المجتمع من استهزاء وسخرية، ولكنهن لم يتوقفن ومرت سنوات عشر على بدايتهن، قبل أن يتم تسجيل الفرقة في 2014، ولم يتلفت إليهن أحد بالمساعدة، بل كانت طاقتهن وإصرارهن وأسرهن السند الحقيقي لاستمرارهن، حتى تطورن مع الوقت وأصبحن أكثر حرفية، واعتمدن على أنفسهن وبعض ممن آمن برسالتهن من المتطوعين، ونظمن ورش عمل للكتابة والتدريب.

وحصلت الفرقة على أول دعم من السفارة الهولندية، وقد شاركت الفرقة في ملتقى الدوير لإبداعات وفنون الطفل والذى نظمه مركز أحمد بهاء الدين الثقافي بأسيوط، وشاركت الفتيات فى مهرجان فى تونس، وكن مؤمنات بما يفعلن وتحدين كل الصعاب ولم يستسلمن.

فتخيل قرية في قلب الصعيد، تقاليد وأعراف تحكم تلك المجتمعات، وتخرج بنات مهمومات بقضايا مجتمعهن، يعرضن في شوارع القرية ما يظنه الجميع عبث، بل وتخطوا شوارع قريتهن إلى القرى المجاورة، وهن يعلمن أنه أمل في غد أفضل، لإيمانهن أن المسرح سيغير كل الأشياء، فالمسرح ثورة، والكلمات ثورة، والفن رسالة يجب أن تصل للجميع لتتغير الأفكار إلى الأفضل.
لكم أن تتخيلوا كم المواهب المدفونة، في ربوع مصرنا، فبنات مسرح البرشا كتبن نجاحهن بمفردهن، وكان المسؤولون غائبون، لم يكن في رحلة صعودهن أي مساعدة منها، ولا وزارة الثقافة، ولا هيئة قصورها الثقافية، ولا مسارحها المتنقلة التي يتحدثون عنها، لكنها ستحضر بعد كتابة النجاح، لتمد يدها لهن، ستتهافت وسائل الإعلام بكل قطاعاتها رغبة منهم في لقاء، وتصريح، سيتغنى مذيعو التوك شو بنجاحهن، وسنغني المصريين أهمه حيوية وعزم وهمة.

لماذا كل نجاحاتنا فردية؟ لماذا نصنع الشبهية مع أننا قادرون أن نكون مثل كل هؤلاء الناجحين؟ متى تغيب عن أذهاننا نظرية التمثيل المشرف؟ لماذا لم نحصل على الأوسكار؟ لماذا لا نكون فى مسابقة كأس العالم  لكرة القدم؟ لماذا لا نذهب إلى أولمبياد باريس المقبلة ونحن نقول يجب أن نحصد كل الذهب؟، فكفانا تمثيلًا مشرفًا في كل المحافل، نحن نستحق أن نكون حقيقة، نحن نعمل للفوز.
على الدولة أن تنتبه، وعلى مسؤوليها أن يفتشوا في الربوع، فالمواهب في كل الأرجاء تنتظر أملًا في أن تكتشف، ككنز من كنوز قدمائنا المصريين، سنتباهى بكل اكتشاف في الرياضة والمسرح والسينما والعلم والأدب والشعر وكل مجال، سيكون لدينا كنز مدفون يبحث عن طاقة نور، فكل الكنوز ليس لديها الشغف وقدرة الاستمرار كبنات البرشا.

فالحقيقة والتاريخ أوضحا لكم كم من أبطال هربت وتم تجنسيها بجنسيات أجنبية لأنها لم تحظ بالدعم والرعاية، كم من النجوم المتلألئة لمصريين في مواقع مرموقة حول العالم نفتخر بنجاحهم وتألقهم، لكنهم بعيدا عن حضن الوطن لم نستفد من خبراتهم وعلمهم ومكانتهم، ولولا برنامج أحمد فايق، مصر تستطيع، ما علمنا عن كثيرا منهم شيئا.

فلنوجه النداء إلى أولي الأمر في كل المواقع القيادية، أخرجوا من دائرة التمني والتصريحات الوردية، إلى مرحلة الواقع والحقيقة، كفانا إهدارًا للفرص، كفانا إهدارًا لمواردنا في لا شيء، هناك ما يستحق أن يتم البناء عليه، إن أردتم جمهورية جديدة.

فـ تحية لبنات البرشا، والتحية موصولة لكل مصري ومصرية مؤمن بحلمه، مؤمن بأفكاره، صامد صابر، يعرف طريقه ويسعى للوصول إلى هدفه رغم كل المعوقات، فلذة النجاح ستمحي كل تلك الصعاب.
وستبقى قصة بنات مسرح البرشا ملهمة، عليكم أن تحكوها لأبنائكم، لطلبة المدارس والجامعات، في ندواتكم ومؤتمراتكم، إنهن أتين من بعيد ووصلن إلى القمة.
 

تابع مواقعنا