الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

تحت القصف.. طبيب مصري ينقذ الأبصار في غزة

دكتور توفيق وأطفال
أخبار
دكتور توفيق وأطفال غزة
الثلاثاء 04/يونيو/2024 - 12:48 م

مطلع مايو الماضي، غادر الدكتور محمد توفيق، استشاري علاج الشبكية والجسم الزجاجي، الأراضي المصرية وقبلته قطاع غزة ليداوي المصابين الفلسطينيين في ظل الحرب الغاشمة التي يتعرضون لها من قبل المحتل الإسرائيلي، منذ 7 أكتوبر الماضي عقب شن المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى التي وصفتها إسرائيل بالمأساة الأكبر في تاريخها، تاركًا خلفه مركزه الشهير وعمله، ومودعًا أهله ووطنه لأجل إنجاز مئات العمليات الدقيقة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أبصار الضحايا الذين لا يتوقف عدادهم، كما لا تتوقف عقارب الساعة ليمنحهم فرصا جديدة للحياة.

من داخل المستشفى الأوروبي في خان يونس، نال الطبيب محمد توفيق شرف إجراء أول عملية جراحية بالشبكية في قطاع غزة منذ بداية الحرب، بجانب كونه أول طبيب عيون مصري يدخل القطاع من حينها، حيث دخل متطوعو فريق الطوارئ الطبي التابع لمنظمة الصحة العالمية، المكون من 19 طبيبا من جنسيات مختلفة وكان المصري الوحيد بينهم.

الفريق الطبي

 

90 % من الحالات تعاني انفجارا في العين

يوضح الطبيب الأربعيني، خلال حديثه لـ القاهرة 24، أن رحلته داخل القطاع كان مخططا لها أن تستمر إلى 12 يومًا فقط، ولكن الأقدار قالت كلمتها، وامتدت على مدار 20 يومًا لغلق معبر رفح البري، أجرى خلالها نحو 125 عملية جراحية، حيث كان يجري يوميًا بمتوسط من 7 إلى 9 عمليات، بجانب استقبال ما يصل إلى 50 حالة بشكل يومي.

وحول طبيعة الحالات التي استقبلها بالمشفى، يكشف توفيق، أن 90 % من الحالات التي استقبلها هناك تعاني من انفجار في العين، وبداخلها شظايا، وأغلب المصابين يعانون من انفصال شبكي ونزيف ومع الأسف أغلب الحالات أصبحوا من أصحاب العين الواحدة، مشيرًا إلى وضع القطاع الصحي المؤسف الذي يعانيه القطاع، على حد وصفه، وبشكل خاص حال تخصص العيون والشبكية؛ إثر تدمير كل أجهزة الشبكية الموجودة في غزة على يد الاحتلال.

الدكتور محمد توفيق في غزة

ما نراه صفر على الشمال مقارنة مع حقيقة الوضع

أما عن وضع غزة، فيقول: مفيش بلد، ملامح البلد اتمحت مفيش شوارع ولا مباني سكنية ولا أي شيء بأغلب الأماكن خاصة في خان يونس، رفح الوحيدة التي قد تشبه البلد.. الواقع أبشع بكثير من الفيديوهات والصور التي تصلنا من هناك.. صفر على الشمال بالمقارنة مع حقيقة الوضع هناك وكذلك معاناة الناس.. أهلنا في أمس الحاجة لأبسط الأشياء كالأحذية مثلا، الوضع هناك مأساوي وصعب جدًا، لا يوصف بكلمات، أكثر شيء كان يوجد بالمنطقة التي كنت فيها هو الدقيق، فلنا أن نتخيل أن حياة الأفراد هناك قائمة على العيش بمشتقاته.. والحظ حالفني وكنت موجود في فترة الرفاهيات من وجود الدقيق.

كرم منقطع النظير

ورغم الوضع المأساوي الذي يعيشه الغزاويون، لم يتخلوا عن كرم الضيافة تجاه الطاقم الطبي، ولم يتخلَ أطفالهم عن حب الحياة المتجرع من رحم الألم، فمع حلول منتصف الليل ووسط أصوات القذائف، تقطعه أصوات الصغار «يلا يا دكتور عازمينك على مسرحية»، حيث يقول: لنا أن نتخيل شعبا يباد ومع ذلك الأطفال بالليل كانوا يتغنون ويقدمون مسرحيات وآخر يلقي الشعر، ليس لديهم أي حلول أخرى.. ويفعلون ذلك لوجودنا وسطهم كنوع من الترحاب، وبالرغم من ظروفهم، كل يوم أهل غزة كانوا يتشاجرون معنا على عزومة الطعام، مرورًا بخناقة عزومة كوب القهوة على الرغم من أن ما لديهم بالكاد يغطي احتياجاتهم الشخصية.

الدكتور محمد توفيق في غزة

«إذا بدك تستحمل ما نعيشه خذ في الحسبان أنك في تجارة مع الله وإذا لم تحسبها هكذا ابحث عن أي وسيلة للخروج من القطاع واتركه».. كلمات وقعت على مسامع توفيق خلال نقاش بين اثنين من الأطباء الغزاويين بالمستشفى، ستظل عالقة في ذاكرة الطبيب وكان لها أثر بالغ عليه، فلم يعد بعدها كما كان قبلها، وكانت موجهة لطبيب يعاني نفسيًا ويشكو لزميله الآخر الوضع، ليرد عليه الأخير الذي فقد أسرته كاملة خلال الحرب الغاشمة الجارية.

بين «غزة» ما قبلها وما بعدها يقع الطبيب في المنتصف، رغم عودته إلى القاهرة منذ يوم الاثنين 20 مايو الماضي، ففي بداية الأمر لم يتردد ولو لحظة في قبول عرض السفر، وكل ما شغل تفكيره حينها ضرورة توفر الأجهزة اللازمة للقيام بعمله، ليخوض تجربة لم تمر عليه مرور الكرام، وكان لها أثر كبير عليه على المستوى الشخصي: صعب بعد ما عِشت معاناة الحرب أرجع أعيش طبيعي.. بقيت مكسوف حتى أضحك.. عِشت وسطهم وشوفت معاناتهم.

ذاق توفيق لذة الشعور بأهمية وجوده، لذا لن يتردد في الذهاب إلى غزة مرة أخرى، والتي يصفها بالسلاح ذي الحدين: الحمد لله على شرف هذه المهمة، دخلت القطاع بأجهزة طبية في شنط سفر، وكنت أعمل تحت القصف ومع ذلك لو عُرض عليّ الذهاب مرة أخرى على الفور سأذهب.. وبأقرب فرصة سأعود.. أشعر بأني أديت شيئا من الواجب المفروض عليّ، وبالوقت نفسه الناس يحتاجون إلى أن نكمل ما بدأناه.

تابع مواقعنا