بناء الأسرة هو بناء الوطن
كانت إجازة العيد فرصة للراحة والاستمتاع بالجلوس مع الأولاد، وصلة الأرحام، والتقاط الأنفاس المنهكة في الصراع مع الحياة، وفي كل ما يدور حولنا في هذا العالم من أحداث، ولكنني اكتشفت أنني مقصر كثيرا في حق نفسي وأولادى.
فمن الخطأ أن يظن الأب أن دوره فقط تلبية كل طلبات أسرته، والأكثر خطوة أن يبتعد كثيرا عنهم بدعوى ضغط العمل، وأنه يتعب من أجلهم ليوفر لهم الحياة الكريمة، من مسكن ونادٍ، ومدرسة لائقة، وجامعة خاصة، وملابس وسيارة وغيرها من تلك الطلبات التس يظنها أولوية عن اهتمامه بتربية أبنائه.
والأم تتخيل أن ما تقوم به من تجهيز طعامهم وحرصها على تناولهم له، وتقوم بتفتيش حقائبهم عند العودة لتطمئن أنهم أكلوا طعامهم، وتسعى دائما إلى أن يكونوا في أفضل صورة، وتتابع دروسهم وتتفقد وجباتهم، ومواعيد دروسهم ونومهم واستيقاظهم، وتتذمر فقط أنهم لا يذاكرون دروسهم، وتصرخ لأنهم يمكثون أوقاتا كبيرة مع هواتفهم، لكن للأسف هذا ما يسعى له كل أب وكل أم يقومون بالرعاية ويجيدونها على قدر دخولهم الاقتصادية، وينسون أن التربية هي الأهم.
فهل سألت أحدهم عن حلمه، هوياته، اهتماماته، أصدقائه؟
هل ذهبت إلى المدرسة لتعرف من مدرسيهم مستوى تحصيلهم، أو سلوكهم مع أقرانهم ومدرسيهم؟
على كل ولي أمر أن يعرف أنه المسؤول الأول عن أسرته، كما نص الحديث الشريف عن سيدنا رسول الله: (كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه، والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولدِه، فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيَّتِه).
على المستوى الشخصي كنت أتصور أن لقاءاتنا الدورية كافية، مع أن غالبية تلك الجلسات حميمية ودودة، نحاول أن نكتشف بعضنا البعض، أن أظهر بمظهر القدوة والمثالية، نتكلم في كل الأشياء، وأعطيهم الفرصة لأسمعهم وليكون التوجيه مع أحاديثهم، أسأل عن أقرانهم وأصدقائهم، وأطلب منهم دعوتهم للمنزل، وتكون فرصة للتعرف عليهم، وأكسر كل حواجز الخوف داخلهم، لا بد أن يعبروا عن آرائهم بحرية، وأن يتعلموا أن هناك خطأ وصواب، وأن خطأهم مقرون باسمي دائما، وأننا لا نريد أن نسمع يوما أننا لم نحسن تربيتهم، وإن كان لي دور فأنت منوط أيضا أن تقوم بدورك، وأن تكون البنت مرآة لأمها، حكيت لهم عن ندوتي عن الابتزاز الإلكتروني، وعن فوائد وخطر التعامل مع الهاتف المحمول، ومواقع التواصل الاجتماعى، نتكلم في كل الأشياء الأحلام والمستقبل والحياة والوطن.
مطلوب من كل أب وكل أم أن يعطوا للتربية الأهمية القصوى، وأن يفرقوا بين الرعاية والتربية، لأن بناء الأسرة هو اللبنة الأولى في بناء مجتمع قوي إن احسنوا التربية.
فعلموهم الأمانة وحب الخير، علموهم الوقار والاحترام، علموهم الصدق في القول والفعل، أيقظوا دائما ضمائرهم وأن الله مطلع على كل ما يفعلون، ربوا فيهم الشجاعة والصدق والمسؤولية.
نموا شغفهم وأيقظوا أحلامهم الكامنة، علموهم حب الوطن والانتماء، ازرعوا فيهم كل القيم المثلى، وأن القيم الدينية ثوابت لا نحيد عنها، وأننا لنا عادات وتقاليد وهوية يجب التمسك بها، كونوا أول صديق لهم، سيهرعون إليكم وقت الحاجة بلا تردد، ولا خوف، اسمعوهم قدر ما تسطيعون، شجعوهم لتنمية مهاراتهم، كونوا دائما بجانبهم، فأنتم تبنون أمة لو تعلمون.
ولتكن الرعاية مع التربية مكملين بعضهما البعض، لكن التربية هى الأساس فكم من أسر كثيرة لا تسطيع أن توفر كماليات الحياة لأبنائها لكنها أحسنت تربيتهم، علمتهم القناعة وزرعت فى وجدانهم الرضا فعرفوا طريق السعادة، وتعلموا المسؤولية والاعتماد على النفس، والجدية والاجتهاد، وهناك قصص كثيرة مبهرة لأشخاص قهروا ظروفهم ونجحوا بعصاميتهم فى بناء أنفسهم.
ولنعلم جميعا أن الأسرة هي المجتمع الصغير، فاحسنو البناء للمجتمع الكبير.