أفول عصر السوشيال ميديا!
شهدت السنوات الأخيرة ثورة تكنولوجية هائلة، ربما لم يكن أحد يتخيلها، خاصة بتلك السرعة العالية جدًا لدرجة أربكت مجتمعاتنا التي كانت توصف بالمحافظة وتعيش وفق منظومة من القيم والثوابت.
بشكل مفاجئ وجد كل فرد أن بيده جهازًا بحجم كف اليد يجعله يتمكن من إجراء محادثة بالصوت والصورة مهما كانت المسافة بعيدة.. وأيضًا يمكنه الانتقال إلى أي مكان بالعالم، ويرى ماذا يحدث هناك في نفس اللحظة.. وبناء على ذلك تطورت وسائل الإعلام بشكل متسارع حتى أصبح هناك عالم موازي بدأ افتراضيًا، وتحول إلى واقع مؤثر في حياة الناس.. ورغم أن هناك جوانب إيجابية لا يمكن إغفالها إلا أن سوء التعامل مع ذلك العالم جعل السلبيات أكثر وأخطر.
إنه عالم السوشيال ميديا الذي فتح الباب لكل من كان حتى يتحدث في كل شيء، سواء بعلم أو بجهل، وفي أغلب الأحيان تروج شائعات لا أساس لها من الصحة لكنها تنتشر كالنار في الهشيم، ويصدقها الكثير جدًا من الناس رغم أن بعضها يكون لا يتماشى مع المنطق، ولكنها قد تتوافق مع رغبة هؤلاء الذين يتعاملون معها على أنها حقيقة دامغة، وما زاد من تلك المشكلة ظهور آلاف من رواد التواصل الاجتماعي يعيشون في ثوب الصحفيين ويتعاملون مع صفحاتهم كأنها منصات إخبارية، وعليهم التقاط أي خبر ونشره بسرعة، كأنهم يسعون إلى السبق دون التحقق من صحة المعلومة التي في أغلب الأحيان تكون خاطئة.. فهل يمكن أن يظل هذا التأثير الطاغي للسوشيال ميديا على حياتنا أم أنه سوف يقل مع الوقت بعدما يفيق الناس من غيبوبتها؟
الحقيقة أنني أميل إلى مبدأ تفاءلوا بالخير تجدوه وبناء على هذا أرى بعد سنوات قليلة انتهاء ذلك الهوس بالترند والجدل الدائر حوله.. بل سينتهي الشغف بالإنترنت بشكل عام، وكل مواقع التواصل الاجتماعي، وسوف يقتصر الأمر على مجرد إنجاز بعض الأعمال عليه أو متابعة الأخبار عبر المواقع الموثوقة، أو متابعة المحتوى الهادف ليس إلا.
مؤكد سوف يدرك أغلب الناس أنه ليس مصدرًا يمكن الاعتماد عليه لتشكيل الوعي، وأن الكتاب هو الوسيلة الوحيدة للتثقيف، وليس فيديو يعرضه أحد من يلهثون خلف تحقيق مشاهدات، وربما لم يقرأ كتابا كاملا طيلة حياته، أو على الأقل ستكون هناك حالة من الوعي والفرز، وسيتم العزوف عن أغلب صفحات التشاؤم وتحريض الناس على بعضهم البعض، بجعل من يتابعونها يعيشون دور الضحية بسبب منشورات تافهة فارغة المعنى والمضمون لمن يعي ويفكر جيدًا، فهي ومن ورائها لا يريدون الخير لأحد والدليل تلك الطاقة السلبية التي نراها منهم.
سيدرك الأزواج أن ذلك العالم الافتراضي المليء بالأوهام عدوهم الأول، ولولاه لكانوا أكثر سعادة ورضا بحياتهم وما عاشوا في تلك العزلة الاختيارية غرباء الأرواح والمشاعر كل يهيم في عالمه المنفصل عن الآخر حتى وإن كان بجواره.
وأيضا سيرى الأولاد فضل آبائهم وأمهاتهم، وكيف أنهم يعيشون حرفيا من أجلهم دون مقابل، وكيف أنهم كانوا مغيبين أمام الشاشات التي تشوشهم كالمجاذيب ولا يفرقهم عنها سوى النوم.
هي توقعات طبقًا للشواهد والعقل والمنطق الذي يقول بأن كل جديد يأخذ بريقه لفترة ثم يخفت شيئا فشيئا، ومع الوقت يتحول إلى أمر عادي جدًا، بل يمكن أن يصل إلى الملل، وما حدث من هزة عنيفة لحياة الناس ونقلتهم كالبرق من دنيا هادئة متزنة إلى أخرى غاية في الصخب والجنون كان له أثره البلغ والسلبي بكل أسف.
مع الوقت سيتغير كل ذلك ويعود العقل إلى صوابه وسوف نحسن جميعا التعامل مع ذلك الواقع الجديد وتعظيم الاستفادة من مزايا، وتلافي سلبياته التي جذبتنا بشدة، ولكن ربما يكون هذا بعد خسائر أتمنى ألا تكون كبيرة وقد تحتاج لسنوات حتى تعوض أو يتم تجاوزها.
سوف يحدث كل ذلك تدريجيا وتكون الأمور بخير فلا تقلقوا، ولكن فقط ابدأوا.