الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

تمكن الخرافة في عصر الحداثة

الجمعة 28/يونيو/2024 - 06:16 م

عندما نقرأ في الموروث الحضاري لكثير من الشعوب، سوف نجد أن الخرافة حاضرة بقوة، لدرجة أن هناك من تقوم عقيدتهم الدينية عليها، ممن يتبعون أديانا وضعية، ولها دائما أتباع ودراويش عبر السنوات، ولا يتوقف الإيمان بها عند سن معين أو نوع.. كان ذلك سائدا بشكل واضح جدا قديما. 

الغريب، ومع كل هذا التقدم العلمي والتطور التكنولجي الذي يشهده العالم، أن نرى للخرافة مكانا في حياتنا بل وما زالت محتفظة بهيمنتها على أفكار الكثيرين، رغم تغير الظروف تماما.. فتُرى لماذا يلجأ بعض الناس للخرافة؟ 

مؤكد أن ذلك يحدث بسبب ضعف الإيمان بالله واليقين بأن وحده القادر إذا أراد، وأنه سبحانه لا يحتاج إلى أفاق يدعي الولاية والقرب، أو حتى ضريح مهما كان ساكنه للوساطة، أو ساحر ومشعوذ، أو عراف يزعم علم المستقبل، وما يمكن أن يحدث فيه.

وبكل أسف عندما يقع الإنسان فريسة لليأس من قضاء حاجته، ويتملكه الفضول لمعرفة ما ينتظره، قد يلجأ لكل من يمنحه كلمة يجد فيها أملا حتى وإن كان كاذبا.. وهنا يتساوى الجاهل بالعالم. 

الجاهل قد يدعو الله بغير يقين فلا يجد الإجابة الفورية، ولأنه لا يدرك أن التأخير لحكمة ومنفعة، يتسرع ويهرع نحو الخرافة لعلها تكون الحل.

وصاحب العلم عندما يستنفذ أسبابه التي تقوم على العقل، بعيدا عن الفكرة الإيمانية دون فائدة، لا يجد سوى الاستسلام للوهم ويصبح طوق النجاة بالنسبة له حتى  ولو على سبيل التجربة.

وبالطبع كلاهما يجد الشيطان في انتظاره، وقد تحدث مصادفة كادها بمكره، فتجعل الأمر أكثر قوة وجلبا لآخرين. 

يعد السحر من أشهر المداخل لدنيا الخرافة، ولا ننفي أنه حقيقة أكدها القرآن الكريم، ولكن المشكلة هي الساحر نفسه، وفي جميع الأحوال اللجوء إليه نوع من الشرك بالله ومعصية كبيرة. 

وتلك أمور قديمة عرفها البشر منذ بدء الخليقة، حيث يتم التأثير على الناس بالإيحاء الذي هو الوسيلة الأهم لدى المشعوذ والدجال، لأنه يعتمد على الخداع البصري والحسي، والتلاعب بالكلمات لإقناع من أمامه، وهناك من يلجأون إلى هؤلاء للزواج، والإنجاب، والتشافي، وجلب الحبيب، والسيطرة على الأزواج، أو غير ذلك، ومن تلك الأبواب يدخل الدجال أو النصاب مستغلا حاجة من يلجأ إليه. 

وهنا لا بد أن نفرق بين هذا وفكرة العلاج بالقرآن عن طريق الرقية الشرعية، بلا تربح أو ابتزاز.. أي أن الأمر يكون من خلال شخص مشهود له بالصلاح والتقوى، ولا يبتغي إلا مرضات الله فقط، دون تقاضي أجر أو بيع أشياء مثل الزيوت وغيرها بمبالغ كبيرة، بحجة أنها ضرورية للعلاج، وذلك يفعله البعض، وهو من العلامات الدالة على عدم الوثوق بهم.

ورغم أننا أمة القرآن الذي كانت أول كلماته اقرأ، إلا أننا مازلنا نلهث خلف الخرافة.. ومن المؤسف أن تلبس ثوب الدين وهو منها براء. 

ومع كل هذا يبدو أن ذلك لم يعد كافيا، فظهرت فئة جديدة من الدجالين باسم علوم الطاقة والفلك والنجوم لا يستخدمون أدوات الدجل المعتادة، والمفارقة الغريبة أن أكثرهم من النساء اللاواتي يظهرن بكامل زينتهن ويضعن مساحيق التجميل الملفتة، ولا يرتدين الحجاب.. وهنا لا يمكن تخيل أن هؤلاء لديهن فتوحات ربانية تجعلهن يتحدثن عن غيبيات، وأحداث سوف تقع مستقبلا، أو حتى يملكون من الفراسة ما يجعلهم يفعلون ذلك، ومن اللافت للنظر كمية الترويج لتلك الفئة، وتداول خرافاتها عبر المواقع والقنوات التليفزيونية، ونجدهم قد يتكلمون في مصائر دول وشعوب، وهناك من يصدقون ذلك متجاهلين حقيقة أن الغيب لا يعلمه إلا الله، ولو أن هذا الدجال أو تلك المدعية يعلمون شيئا عن المستقبل لكانوا قد أصلحوا حياتهم، واستغنوا عن هذا الوهم الذي يبيعونه للناس حتى يحصلون على المال  و الشهرة.

وبعضهم ربما يتعاملون مع الجن فعليا، وقد يخبرهم بأشياء حدثت في أماكن معينة، فيتكلمون عنها، ولأنهم لم يكونوا موجودين وقت حدوثها، يظهرون كأنهم حقا يعرفون الغيبيات، والحقيقة أنها تكون من الماضي ولكنهم يخترعون الكذبات لإيهام الناس بمعرفة القادم. 

الأكثر غرابة وجود تطبيقات على شبكة الإنترنت تقرأ الفنجال والطالع، وتقول للشخص كيف سيكون مستقبله وشكل حياته، وتلقى تجاوبا كبيرا جدا في مجتمعاتنا. 
عندما نجد أن الخرافة والدجل أيا كان نوعهما، تا يزالا يتمتعان بقاعدة جماهيرية عريضة، رغم كل هذه الادعاءات بالتحضر فإننا أمام حقيقة هامة.
وهي أننا يتم تضليلنا ونسير في الطريق الخاطئ بلا وعي، ما يجعل العقول مشوشة وهشة يمكن السيطرة عليها  وقيادتها بسهولة نحو الهاوية، وذلك ما يتم العمل عليه منذ عشرات السنين من جهات لا تريد الخير لنا كمجتمعات عربية وإسلامية. 
ذلك ليس هوسا بنظرية المؤامرة التي هي قائمة بالفعل، ولا تخمينا أيضا، ولكننا أمامنا واقع بقليل من التركيز والتفكير الواعي المستنير يمكن إداركه.

هناك دولا أجهزة لا تنام  و لا تهدأ، وتستعين بأقوى العقول المتميزة لديها، لأنهم يدركون جيدا أن بها تبنى البلدان وليس الحناجر والشعارات، ويعدون الدرسات حول الشعوب ويحللون كل ما يرد إليهم من معلومات لمعرفة أسهل الطرق للسيطرة عليها فكريا ومن ثم يتم تحريكها في أي اتجاه بكل سهولة. 

فمتى نفيق من غفلتنا لنودع الوهم والخرافة ومعهم الفهلوة لنعود كما كنا أمة العلم والإيمان؟

تابع مواقعنا