الإثنين 25 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

مُزدحم بالعابرين

الجمعة 05/يوليو/2024 - 06:01 م

 لو كنت من متابعي كرة القدم أو حتى لأ، فالقصة الحقيقية الجاية دي هتهمك لإن فيها بُعد إنساني كان مثار حديث واهتمام وحزن الناس في أمريكا اللاتينية كلها من أقل من أسبوعين!.. اللي حصل إن الشاب ألفريد شاب بسيط من دولة تشيلي كان بيشتغل سواق على عربيته بيوصل الناس من مكان لمكان.. حاجة كده زى أبلكيشن العربيات الخاصة عندنا بس بصورة أقرب للتاكسي منها للملاكي، لإن حال العربيات هناك متهالك شوية.. ألفريد كان عنده مشكلة إنه صديق وفي زيادة عن اللزوم.. لحظة!.. وهي إن إنسان يكون صديق وفي دي بقت مشكلة!.. أيوا مشكلة ومشكلة كارثية لو ركزت في آخر كلمتين في الجملة زيادة عن اللزوم.. ممكن توضيح؟.. طبعًا.. ألفريد كان من أكتر الشباب اللي ليهم أصدقاء.. يعني أى يشوفه لازم هيشوف معاه صديق.. أى حد هيزوره لازم هيلاقي عنده في بيته صديق.. عمرك ما هتشوف ألفريد لوحده خالص ولازم فيه صديق لازق له.. 

والحقيقة إن ده كان أمر طبيعي جدًا لإن الراجل على طول متاح وعلى طول بيقول حاضر ونعم.. صديق يتطرد من بيت أبوه فيروح جرى على بيت "ألفريد" عشان يقعد عنده في بيته المتواضع باليوم والاتنين والأسبوعين كمان.. صديق يكون محتاج العربية بتاعته عشان يخرج هو وصديقته فـ ألفريد بمنتهى الجدعنة يديهاله ويضحي بشغل اليوم وأكل عيشه لمجرد إن صديقه يكون مبسوط.. صديق عايز فلوس عشان يشرب مخدرات أو يروح يسهر في مكان فيميل على ألفريد اللي بيطلع كل اللي في جيبه ويديهوله عن طيب خاطر بدون ما يقول أنا كده هروح البيت مفلس.. بس كده الحكاية قلبت بعبط مش جدعنة!.. ده صحيح بس عبط له له سبب.. "ألفريد" كان شاب وحيد بعد وفاة والده ووالدته.. حتى أخوه الكبير كانت معاملته معاه قاسية بدون مبرر وكان دائم الشخط فيه والعصبية عليه وعشان كده الاتنين كانوا بُعاد عن بعض وكل واحد في حاله.. 

ألفريد كان عايز يحس إن حواليه ناس لكن وبما إن معظم الناس مش هيقربوا منك غير لما يكون عندك اللي تقدمه ليهم فهو كان قابل بالمعادلة دي وفاهم كل تفاصيلها وظروفها ومستعد يدفع الثمن.. خدوا اللي عايزينه بس خليكم جنبي وحواليا.. هي الأزمة إنه مع الوقت بقى معتبرهم أصدقاء حقيقيين فعلًا.. عينه كانت متغمية عن استغلالهم له، وأنانيتهم، وحتى صفاتهم السيئة.. والنقطة الأخيرة دي بالذات حكايتها حكاية.. الواحد ممكن يجامل حد في خروجة أو أكلة لكن إزاى وليه ممكن حد يجامل حد بشرب مخدرات وهو أصلًا مالوش فيها!.. معلش عشان مايزعلش مني!.. وده اللي حصل مع بطلنا اللي شوية بشوية بدأت رجليه تتسرسب لسكة المخدرات والإدمان تحت رعاية واحد من أصدقاءه اللي فضل يزن عليه لحد ما طاوعه.. 

مش هنقول إن ألفريد اتغير للأسوأ لكن فضل بنفس طيبته وجدعنته بس تأثير المخدرات السلبي عليه كان بيصب على صحته اللي تدهورت بشكل ملحوظ.. التدهور ده كان لازم يصاحبه راحة في البيت وقتها طلب ألفريد من الكتير اللي حواليه اللي فاكرهم أصدقاءه إنهم يسألوا عنه ويزوروه عشان يتطمنوا عليه.. اتفقوا قدامه إنهم هيقسموا ساعات اليوم بينهم بحيث إنه مايفضلش لوحده خالص طول اليوم.. طب وحصل؟.. آه حصل بس في المشمش.. كل واحد من الـ 12 اللي اتفقوا كل واحد هييجي يقعد معاه ساعتين قعد بالكتير ربع ساعة ومشي.. رغم إن هما اللي مختارين المواعيد وكل واحد نقى اللي يناسبه بس أصل هي الجدعنة مش بالعافية.. طب وهو زعل منهم.. لأ!.. بالعكس كان بيطلع لهم مبررات لإنه مش قادر يستوعب ندالتهم كلهم مرة واحدة كده.. من أسبوعين بالظبط وفي يوم من أيام تعبه زاره خاله الراجل الكبير في السن وعنده 89 سنة واللي بمجرد ما عرف منه في التليفون إنه تعبان اتحرك من مدينة بعيدة عشان يزوره ويطمن عليه..

 الخال لما شاف كركبة البيت وحال ابن أخته اللي يصعب على الكافر سأله عن معارفه وأصدقاءه هما فين.. ألفريد ماكنش عارف يرد يقول إيه بس تحت ضغط خاله حكاله.. المضحك إن هو وبيحكي مش بيحكي كشخص متضايق لكن بيحكي وفيه شيء من الفخر في حكايته إنه إزاى عنده 12 صاحب جدع وده أكبر معدل أصدقاء ممكن يحصل عليه حد.. بس خاله وهو بيسمع كان حاسس بغيظ زى اللي حضرتك وأنت بتقرأ المقال حاسه وهو إيه الندالة بتاعت الشباب دول!.. الخال قرر يصارح ابن أخته بالحقيقة وقالهاله في وشه.. صحيح أن عالمك مُزدحم يا "ألفريد"، ولكنه مُزدحم بالعابرين.. الولد وقف عن الجملة بشكل ملحوظ وكررها.. مُزدحم بالعابرين!.. الخال كمل كلامه إن الأصل في الحياة بين أى طرفين ومهما كانت شكل علاقتهم أو تصنيفها بتبقى قائمة على الأخذ والعطاء.. النماذج اللي بتحكي عنها دي كلها بتاخد منك وبس لكن معندهمش عطاء.. مش بيقدموا حاجة ولا هيقدموا.. والعيب مش عليهم لكن عليك لإن مفيش شخص هيلاقي باب مفتوح وجواه فيه كنز وهيقف يتفرج عليه من بره!.. هيدخل وياخد اللي إيده تطوله ما دام محدش قال له أنت بتعمل إيه.. المهم إن المقابلة التقيلة على قلب ألفريد دي انتهت والخال سافر بعد ما خرج واشترى شوية أكل وطبخ لابن أخته وروق له البيت مع وعد إنه هييجي يزوره كل أسبوع لو صحته سمحت وإن ماكنش هيبقى كل 10 أيام.. 

مشي الخال وساب ألفريد مع تفكيره في كلام خاله.. بعدها بشوية طب عليه في البيت اتنين من أصدقاء السوء إياهم وبمجرد ما ألفريد شافهم قال لهم بمرح وسعادة: أهلًا بالعابرين.. الاتنين استغربوا الكلمة وسألوه يقصد إيه فقال لهم دي كلمة هزار مفيش حاجة عادي.. بمجرد ما الاتنين دخلوا البيت كانوا زى الجراد وأكلوا الأكل اللي الخال لسه عامله ونسفوه نسف، ووسخوا البيت اللي الراجل العجوز عمله بالعافية!.. مش كده وبس ده واحد منهم طلع سيجارة مخدرات وعزم بيها على ألفريد.. العيان!.. المريض!.. اللي راقد!.. الغريب إنه طاوعه وأخدها منه بالفعل بترحاب وشربها بشراهة وطلب واحدة تانية!، وبعدها واحدة ثالثة.. وفجأة وهو بيشرب الثالثة كح بشكل متتالي عنيف وعينه وسعت ووشه بقى لونه أحمر ووقعت راسه على صدره!.. مات ألفريد.. مات الشاب الجدع الطيب.. هنا اتصل الاتنين بباقي الأصدقاء وبلغوهم بالخبر وجُم بالفعل وسط حالة من الحزن اللي كانت واضحة على ملامح الكل.. الجيران صمموا إنهم ياخدوا ألفريد ويدفنوه هما بمعرفتهم لكن الأصدقاء قالوا لأ إحنا أصحابه وإحنا اللي أولى بيه وبشيل التابوت بتاعه لحد مكان المقابر.. الجيران استسلموا لرغبة الأصدقاء وفعلًا سبقوا على مكان الصلاة عليه اللي جنب المقابر.. 

شال الأصدقاء جثة صديقهم في تابوت وكان متحركين بيه في اتجاه المقابر.. لحظات وواحد منهم قال لهم يا جماعة مباراة تشيلي وبيرو في بطولة كوبا أمريكا هتبتدي كمان دقايق.. الـ 12 صديق وقفوا وبصوا لبعض وقالوا لنفسهم أيوا صح!.. ده ماتش مهم جدًا.. طب والعمل؟.. واحد منهم اقترح إنهم يدخلوا مكان جنب مكان الصلاة عامل زى قهوة صغيرة ويفضوها من الناس ويقعدوا فيها يتفرجوا على الماتش وجنبهم التابوت عادي!.. هنشوف ربع ساعة بس!.. عملوا كده فعلًا والربع ساعة جرت نص ساعة جرت شوط لحد نهاية الشوطين!.. كل ده والجيران لسه منتظرين في مكان الصلاة ومش عارفين العيال دول راجوا فين.. مش كده وبس.. دول كمان خلوا حد منهم راح اشترى كذا تيشرت للمنتخب وغطوا بيه تابوت ألفريد كنوع من التفاؤل يعني والحظ.. بصرف النظر إن الماتش انتهى بالتعادل وكان ماتش قليل فنيًا وتعبان بس إيه اللي أنتم عملتوه ده!.. إيه كمية إنعدام الإحساس وقلة الذوق دول.. ده صاحبكم لسه دمه مابردش.. عندكم مزاج تركنوا جثته جنبكم عشان تتفرجوا على ماتش!.. طب إدفنوه وتعالوا اتفرجوا!.. للدرجة دي كان رخيص عندكم؟.. الحقيقة صيغة السؤال الأخير غلط.. مش فكرة كانت رخيص عندهم أو لأ.. بس مينفعش تسأل عابرين هما ليه مشيوا.. هما ليه مش حقيقيين.. هما ليه أندال.. هما قدمولك الإجابة بالمواقف بدل المرة مليون وأنت اللي كنت مصمم تشوفهم بغير حقيقتهم.. العابرون لا يلاموا لكن نلوم نفسنا على وجودهم في حياتنا بعد أي موقف عرفنا منه إنهم عابرين.

ساعات كتير فرحتنا باللمة الكدابة بتخلينا نهدر حق الناس الحقيقيين اللي يستحقوا كل ذرة اهتمام، وكل ثانية لصالح ناس تانية مش شبهنا، ولا هينفعونا، ولا هيسندونا.. حياتنا زى ما فيها حقيقيين فهي كمان مليانة بالعابرين.. الحقيقي هيكون عايز يفضل في حياتك لشخصك مهما كانت ظروفك سيئة، والعابر اللي وجوده لحظي لمصلحة أو لغرض مش هيقعد في حياتك ثانية بعد انتهاء اللي عايزه منك.. محظوظ اللي يعرف قيمة اللي حواليه ويصنفهم صح وبدري بناءً على مواقفهم معاه سواء بالدعم أو التخلّي.. فيه جملة عظيمة بتقول: إن كان ما يحيط بك ليس ما تريده، لا تمتلئ به.

تابع مواقعنا