يبكي دون دموع.. حكاية الصورة الأصعب في جنازة زوجين وأطفالهما الثلاثة بالشرقية
لم يكن يدري أن القدر قريبًا هكذا وأن للموت هيبة لا يمكن للقلب أن يحتملها دون بكاء، لكنها الدموع التي رفضت أن تُغادر مقلتيه فوقف تائهًا وهو يعرف مكانه والحزن يعصف بمشاعره، ولم يعد ذاك الإنسان الذي عاش في الدنيا يبتسم طيلة سنوات تناهز نصف قرنًا من الزمان، وغيره الموت وتبدلت أحواله.
يبكي دون دموع.. حكاية الصورة الأصعب في جنازة زوجين وأطفالهما الثلاثة بالشرقية
قبل سنوات ليست بالقليلة عرف المهندس إبراهيم، الطيب صاحب الخُلق الحسن الذي يشهد له القاصي والداني، ومن حينها بات ذاك الشاب مضربًا لكل مثل طيب في ذهن الرجل على الرغم من غيابه لسنوات للعمل في إحدى الدول العربية.
عاش إبراهيم سنواته مغتربًا هو وأسرته، قبل أن يعود من جديد ليحيا وسط أهله، لكن كان للقدر حكمته التي تنتظر عودته لتكتب الفصل الأخير في حياته وحياة زوجته وأبنائهما الثلاثة؛ إذ راحوا ضحايا لحادث مروع أطاح بسقف السيارة التي كانوا يستقلونها بناحية الطريق الإقليمي على أطراف مدينة بدر في محافظة القاهرة.
صدحت مساجد البلدة بالنبأ الحزين، وبين المستمعين كان صاحب الحكاية يعيش يومه بتفاصيله البسيطة فتوقف ووقفت ساعته لينظر إلى السماء محاولًا استيعاب ما يسمعه، قبل أن يعود إلى الدنيا وكأنما استرد وعيه وإدراكه ليضرب كفًا بكف ويحوقل بعدما فشل في كبح جماح حزنه على المهندس الشاب وأسرته.
مرت الساعات طويلة دون أن تذيع المساجد نبأ وصول الجثامين حتى انقضى وقت العشاء فذهب عائدًا إلى منزله، لا يدري أهي عودته المعتادة أم هو النوم الذي يجب أن يلتقيه عله يريح عقله من عناء انتظار جنازة هي الأقسى طوال سنواته.
مع دقات الرابعة فجرًا استيقظ من جديد وتوضأ ليُصلي ويواصل انتظار الجنازة، واستمر الانتظار هذه المرة لسويعات قليلة حتى علت أصوات المساجد لتذيع نبأ وصول الجثامين وتشييع الجنازة، وفي الوقت الذي كان الجميع يتهيأ للمشاركة في تشييع الموتى الخمسة كان هو واقفًا بجوار شباك مسجد البلدة الكبير، واجمًا لا ينفك بصره أن يُغادر صورة النعوش الخمسة وهي أمامه ساكنة تستعد لاستضافة المهندس وأسرته.
هام وسرح خياله يتذكر كيف للموت أن يقبض الحياة وينهيها في طرفة عينٍ أو أقل من ذلك، وراحت الكلمات عن باله لا يقدر حتى على الحديث إلى نفسه في مشهد صامت استمر دقائق قليلة قبل أن ينتبه إلى النعوش وهي تُحمل وتصطف لتشييع الجنازة، فهم بالدخول متوضئًا وصلى مع المُصلين وذهب مع الجميع لتوصيل الشاب وأسرته إلى مأواهم الأخير في مقابر الأسرة، وهناك دعا ربه أن يجعلهم من أهل الجنة وأن يُحسن ختامه.