أثر العرّاب لا يزول.. أحمد خالد توفيق والرقم 3 واللعنة الإغريقية
المئات يسيرون في موكب مهيب للكاتب احمد خالد توفيق ، الدموع تختلط بالأقدام التي تسير نحو مثوى أحدهم الأخير، هتافات وصور وشعارات تُسيطر على المشهد، ونعش بداخله صديق طفولة آلاف الشباب، يسير بسرعة تُرجف القلوب نحو المقابر.
ظهيرة الثاني من إبريل عام 2018، خرج خبرًا من مستشفى الدمرداش عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يُفيد برحيل الكاتب والروائي، احمد خالد توفيق، بعد أزمة قلبية تعرض لها، ولم يشفع له الوقت ولا الطب في إنقاذه من الموت.
في ليلة حارة من ليالي يونيو من عام 1962، رُزق خالد توفيق الأب، بمولودًا اسماه أحمد، ولم يكُن أن هذا الأحمد سيكون يومًا واحدًا من أبرز الأسماء في صفحات تاريخ الثقافة المصرية.
احمد خالد توفيق الذي وُلد في مدينة طنطا بمحافظة الغربية، التحق بكلية الطب بجامعة المدينة، وتخرج منها عام 1985، وحصل على الدكتوراه في طب المناطق الحارة عام 1997، وبعدها التحق كعضو هيئة التدريس واستشاري قسم أمراض الباطنة المتوطنة في طب طنطا.
“لا أعتقد أن هناك كثيرين يريدون معرفة شيء عن المؤلف، فأنا أعتبر نفسي ـ بلا أي تواضع ـ شخصًا مملًا إلى حد يثير الغيظ”، هكذا كان يرى نفسه الروائي الكبير، الذي اقتحم قلوب قراءه دون استئذان بدءًا من عام 1992، حينما شرع في كتابة أول سلاسله «ما وراء الطبيعية».
العديد من المفارقات شهدتها حياة الروائي الكبير، احمد خالد توفيق، الذي لُقب بـ«العرّاب»، وكانت وصيته أن يُكتب على قبره «جعل الشباب يقرأون».
الرقم 3
هذا الرقم شكل أهمية خاصة في حياة «العرّاب»، فالروائي الكبير كتب عبر مسيرته 3 سلاسل، هم: ما وراء الطبيعة، وفانتازيا، وسافاري.
في حياة أحمد خالد توفيق الأسرية، هُناك 3 أشخاص بالتحديد، فالروائي تزوج من طبيبة أخصائية صدر من المنوفية اسمها منال، ورُزق بولد اسمها محمد وابنة اسماها مريم.
الرقم 3 ظل ملازمًا لأحمد خالد توفيق طيلة حياته، فـ«العرّاب» أصيب بثلاثة نوبات قلبية، الأولى كانت في 2011، والثانية في 2015 ونتج عنهما أن أجرى جراحة زرع جهاز مهمته مراقبة النبض فإذا شعر باضطراب في القلب أطلق صدمة كهربائية تعيد القلب للحياة مرة أخرى، وأجبره الأطباء على الإقلاع عن التدخين، فيما تمكنت المرة الثالثة من أن تودي بحياته في إبريل 2018.
أحب السينما ولم تُحبه
كثيرًا ما تحدث أحمد خالد توفيق عن السينما، أحبها كروائي أراد بالتأكيد أن يرى كتاباته تتنقل بين الشفاه في مشاهد تمثيلية، ليتم توثيقها للتاريخ عملًا بقاعدة «الكتابات ليس لها ذاكرة، بينما التليفزيون له 1000 ذاكرة».
“كنت طيلة حياتي أعشق السينما وأراها الشكل النهائي الأسمى للفنون، ربما كتبت ورسمت لأنني لا أملك كاميرا سينمائية”، تلك الكلمات كافيةً لرصد السينما في أعين وعقل الروائي الشهير.
في أحد حوارات أحمد خالد توفيق الصحفية، أجاب عن سؤال خصام السينما له، فقال: “أنا لم ينتج أي عمل لي، أعتقد أن للنحس دورًا ولإقامتي في طنطا دورًا، ثم إن المخرجين يحيرونك كثيرًا، تشعر أحيانًا أنهم لا يعرفون ما يريدون بالضبط، عندما تعرض على مخرج شاب ستين فكرة مختلفة فيقول: مش لاقي نفسي فيها، فهي مشكلة لا حل لها، وكما قلت من قبل: يجب أن تجد منتجًا متحمسًا، والمخرج المتحمس عاجز مثلك”.
الكاميرا لم تكن تُحب احمد خالد توفيق، رغم أنه أحبها وبشدة، فالمخرج عمرو سلامة في نوفمبر 2016 كشف عن تحويل سلسلة “ما وراء الطبيعة” إلي مسلسل تلفزيوني متعدد الأجزاء.
عمرو سلامة آنذاك، أكد أن الموسم الواحد من المسلسل ستتراوح عدد حلقاته من 13 إلى 15 حلقة، وكان من المقرر أن يتم تصويره عقب فيلم الشيخ جاكسون، وكان سيشارك في كتابته أحمد خالد توفيق، إلا أن الفكرة توقفت.
عمرو سلامة ذاته، عاد في مارس 2019 ليؤكد أنه يعكف على تصوير مسلسل “ما وراء الطبيعة”، كاشفًا أنه من المنتظر عرضه خلال العام الجاري أو مطلع 2020.
منصة «Viu» أعلنت بدء تصوير مسلسل «زودياك»، والتى ستقدمه من المجموعة القصصية «حظك اليوم» للروائي الراحل أحمد خالد توفيق.
“كل ما أبدأ عمل بيتفركش.. هناك لعنة إغريقية تقريبا وتعثر حظ”، تلك كانت كلمات احمد خالد توفيق، واصفًا سوء حظه في تحويل كتاباته إلى أعمال تليفزيونية أو سينمائية.
الليل والقاهرة القاتلة وعلبة السجائر ولحمة الرأس
كان لأحمد خالد توفيق، رفقة ظل تُصحابه طيلة سنوات عديدة، فهو أحب الليل الذي رافقه كلما تحرك قلمه ليكتب شئ ما، وعلبة سجائره كانت شاهدة على العديد من الأعمال حتى عارضه قلبه وأمره أن يتوقف عن التدخين.
يقول احمد خالد توفيق في إحدى لقاءاته الصحفية: “ساندوتش لحمة رأس من طش طش وشوب من عصير القصب.. هل تجد طريقة أفضل؟ هناك كتاب يحتفلون بالخمر والنساء، لكن لا توجد خمر ونساء في طنطا”.
هكذا كان يرى أحمد خالد توفيق طريقة مكافأة نفسه حينما يكتب شيئًا جيدًا، ولكن الروائي الكبير الذي كافئ نفسه كثيرًا، أعرب بذات القدر عن كرهه للقاهرة.
قال احمد خالد توفيق عن القاهرة: “مدينتكم العجوز المغبرة هذه غير صالحة للحياة الآدمية أصلًا، أندهش أن القاهريين ما زالوا أحياء، ولم يموتوا من الزحام والتراب والعادم”.
“لا أدعي أنني مصلح اجتماعي ولكني أظن أنني أثرت في جيل بأكمله، ذات يوم تلقيت خطاب من شاب يطلب مني أن أجعل رفعت إسماعيل يكف عن التدخين، لأن الكثير من أصدقائه يقلدونه ويدخنون بدورهم.. لقد فزعت وقتها من هذا التأثير الذي أظن أنه فاق تأثير نجيب محفوظ وديستوفسكي”.
الرجل الذي جعل الشباب يقرأون، كان حاضرًا أيضًا بشخصية «رفعت إسماعيل» في أدق تفاصيل حياتهم، بل أثر في أجيال متعاقبة وصار جزءًا منهم.
لم يكن للروائي الكبير طقوسًا استعراضية أثناء الكتابة إطلاقًا، فكما كان يقول: “أعطني صمتًا وليلًا وعلبة سجائر مليئة”، تلك كانت مشتهيات «العرّاب» لإخراج شخصيات تسكن وجدان الشباب طيلة السنوات.
عام على رحيل الرجل الذي جعل الشباب يقرأون، الصديق الذي كان يسكن جيوب البسطاء وكبر مهم مصاحبًا لمراهقتهم ويفاعتهم وحتى أن باتوا رجالًا ونساءًا لديهم وعيهم الخاص، ولكن يعتقد البعض أن موت احمد خالد توفيق كان فصلًا في رواية جديدة له ستظل طيلة الوقت تكتب كي يصير الكاتب طيلة الوقت حيًا.