عندما يقتل التريند القيم ويسقط البناء الاجتماعي
أشهر وأسرع طريقة لجلب الشهرة والمال هو التريند، هكذا زعموا ومن أجله يضحون بكل القيم والأخلاق ويضربون بالعادات والتقاليد عرض الحائط، بل أصبح سهلًا لأصحاب المحتوى الرقمي أن يُشهر بأناس دون ذنب أو جريرة أو بينة من أجل الوصول إلى التريند.
وهو في ذلك ينسى أن لبيتك عليك حق وعائلتك عليك حق ولمجتمعك عليك حق، فنشر الصور العائلية والأخبار التي تخص خصوصيات الآخرين على الفيس من أجل المشاهدة فحسب هذا نوع من الهوس لأجل الشهرة والمال.
فمن مهازل العقل البشرى في هذا الزمان عصر السوشيال ميديا النشر على شبكات التواصل الاجتماعي من مواد وموضوعات دون ميزان من عقل أو دين أو ضمير، المهم عندهم هو الوصول إلى التريند.
ومهما كانت فكرة المحتوى سخيفة ودون فائدة تُذكر ومهما كانت تتعارض مع المنطق أو العقل المهم أن تستحوذ على نسب مشاهدة أعلى من أجل التربح المالي والوصول إلى الثراء السريع والشهرة.
وعلى هذا المنوال كان في زمن ما قبل النت، بعض الناس ولكن بأعداد محدودة للغاية مقارنة بأيامنا تلك، وينشرون فكرة دون النظر إلى جدواها وأثرها في المجتمع حتى لو كانت فكرة رائعة ولكن صداها ضعيف لا يقارن بما يحدث الآن في عصر الرقمنة.
وذُكر في أحد الكتب أن هناك جماعة من الفئران اجتمعوا ذات يوم ليفكروا في طريقة تنجيهم من خطر القط، وبعد جدل عنيف قام ذلك الفأر المحترم فاقترح عليهم أن يضعوا جرسًا رنانًا في عنق القط حتى إذا داهمهم القط سمعوا به قبل فوات الأوان وفروا من وجهه.
ويعلق علي الوردي: إنه اقتراح رائع لا ريب في ذلك، ولكن المشكلة الكبرى كامنة في كيفية تعليق الجرس على عنق القط، فمن هو ذلك العنتري الذي يستطيع أن يمسك بعنق القط ويشد عليه خيط الجرس ثم يرجع إلى قومه سالما غانما.
ويضيف: لعلنا لا نغالي إذا قلنا أن معظم أفكار القدماء هي من هذا النوع، فهي أفكار رائعة وجميلة ولكن فيها عيب كبير هي أنها غير عملية.
المغزى من القصة هو أنه لا ينبغي في الفكرة أن تكون رائعة وجميلة فحسب، لكن المهم أن تكون عملية، إن الفكرة تشبه المفتاح، لا يهم إن كان ذهبًا أو خشبًا أو نحاسًا المهم هو أن يفتح الباب بغض النظر عن نوعها.
سوقت هذه الفقرة حتى يعلم أصحاب المحتوى أن العبرة في صناعة المحتوى أن يكون المحتوى واقعيًا وعمليًا ويعالج أزمة يعاني منها المجتمع، وأن تساهم في رفع الوعي السليم ولا يكون المحتوى سفيهًا سخيفًا لا يرقى إلى حدود العقل البشري السوي بل تُصبح الفكرة عبارة عن تفاهات وسخافات.
فإذا نظرنا إلى وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة التي أصبح من خلالها الفرد يلعب دورًا مهمًا في نقل الأخبار وصناعتها وتحريرها، فضلًا عن التأثير في تكوين القناعات حول بعض القضايا، فلا بد أن تكون هذه الإسهامات في هذه الوسائل، ذات أثر نافع للمجتمع ولا يكون ثغرة يتخلل منها أعداء الوطن إلى التأثير في الوعي لدى أبناء الشعب المصري.
فكل مواطن له حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، ولديه قدر من المهارات والمعرفة عليه أن يصيغ مواد هادفة ترفع من مستوى الوعي لدى أبناء وطنه، فلا يستغل عدم خضوعه للقيود أن يكون معول هدم في هدم بنيان مجتمعه، وواجب عليه أن يستغل الحرية الكبيرة في الفضاء الرقمي والتي يصعب السيطرة عليه أو التأثير في توجهاته في بناء وعي هادف ومستنير، وهنا يظهر دور الفرد في تشكيل الوعي الهادف من خلال نشر المعلومات في كافة مجالات المعرفة البشرية، ويتم التعرف من خلالها على الرأي والرأي الآخر، وأن أعداد أصحاب المحتوى الرقمي أو الحسابات والصفحات على الفيس بوك ومنصة إكس في تزايد مستمر.
وتشير الإحصائيات إلى أن أعداد من يشاهدون المحتويات يُعد بالمليارات وليس بالملايين على مستوى العالم، وأن أعداد من يعدون المحتوى أصبحوا بالملايين على مستوى العالم، وكما قيل أن بالإنترنت أصبح العالم قرية صغيرة، ورأينا أن مثل هذه المحتويات الرقمية حول مجمل القضايا التي تهم الأشخاص في المجالات كافة، سواء الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية تحدث أثرًا بالغًا إذا حسن استخدامها.